
لا يخفى على دارس للأدب والمسرح أن شكسبير اقتبس أكثر أعماله من كتب وروايات سابقة عليه، بل يصفه (ويل ديورانت) في كتابه قصة الحضارة وصف من الصعب أن يوصف به أديب عالمي إذ يقول :
“إن شكسبير يسرق من كل مكان”! ولا يمكن بحال معارضة رأي (ديورانت) إذ أن شكسبير لم يترك لأحد فرصة تكذيب أو معارضة ذلك الرأي حتى أن عنوان هذا الفصل الذي بين يديك في حد ذاته مُقتبَس عن عنوان كتاب لأستاذ الأدب الإنجليزي (كينيث موير).
وكينيث موير من أشد المهتمين بكتابات شكسبير، ومن أكثر دارسيه تبحرًا في أعماله. وقد شغل منصب رئيس رابطة شكسبير الدولية؛ لذا لم أجد خيرًا من هذا التعبير لأعنون وأبدأ به حديثي عن اقتباسات (شكسبير).
وإن للقارئ غير المتخصص أن يتعرف مدى دقة التعبير المنتحل أعلاه بغير حاجة لقراءة موير أو ما ترجم عنه، وبغير الذهاب للمكتبة والتعمق في قراءة أعمال شكسبير من أولها بمقدماتها التي لم تسلم من تعليق عن اقتباساته.. فكل ما عليك هو أن تنقر على محرك البحث بحروف السؤال في عنوان الفصل: (من أين اقتبس شكسبير حكاياته)؟ لتجد عشرات المقالات تغطي الموضوع بالعربية، ومئات المقالات بالإنجليزية، وغيرها. وعن تناولنا لهذه النقولات فقد تحيرتُ بين ثلاث طرق: الأولى: عميقة تحقق وتدقق في الآراء الخاصة بأعمال شكسبير، وهذه متوفرة للدارسين بكل اللغات الكثير منها مترجم للعربية، ومتوفر على مواقع الإنترنت.. أما أكثرهم تفصيلًا باللغة العربية فتجدها في مقدمات ترجمات د. محمد عناني لأعمال شكسبير.
وبديهي أن فصًلا في كتاب لا يتسع لما حوته عشرات الكتب. والثانية: المرور مرور سطحي على الأعمال بذكر العمل الشكسبيري، ثم ذكر الأصل المأخوذ عنه بوضع الدلائل من كتب الدارسين والباحثين، وهذه طريقة تخلق مللًا، ولا تحقق الفائدة المرجوة بإضافة معلومة مؤكدة لذهن القارئ. وعليه فقد انحزتُ للثالثة:
وهي المرور على عدد من الأعمال التي استرعت انتباهي أثناء قراءتها ورَبَطَها ذهني بأعمال سابقة عليها، ثم العودة لرأي الباحثين في مصادرها الأولى قبل شكسبير، مع تقديم فكرة عامة عن باقي الأعمال التي تناولها الباحثون ومصادر اقتباسها. وأرجو أن أكون قد وفقت في الاختيار، كما أرجو من قارئي ألا يتبع القسوة في تقييمه لهذا الفصل؛ فموضوع النقاش في النهاية أعمال شكسبير، وليس هذا بهين ولا يسير بقياس قدر الأديب، والعدد الكبير من الدراسات المتخصصة التي تم تأليفها في أعماله خلال أربعة قرون.
وأبدأ مصادر مسرحياته، بقصة نقلها شكسبير من كتاب أصبح مألوفًا للقارئ بعدما تناولناه بالنقاش خلال الفصول السابقة فحولها لعمل مسرحي واضعًا اسمه عليها.
- مسرحية العبرة بالخواتيم:
ففي أول سطر من مقدمة الأستاذ حافظ عباس في ترجمته العربية للمسرحية يقول: “استقى شكسبير موضوع هذه القصة من الأديب الإيطالي بوكاشيو، الذي ألف قصة (ديكاميرون) وأجراها على نسق (ألف ليلة وليلة) وجعلها نوادر تُقص تباعًا. وتكاد في جملتها وجوهرها تماثل مسرحية شكسبير. مع العلم أن جوفاني بوكاتشو (Giovanni Boccaccio) عاش بين 1313 – 1375) بينما عاش شكسبير بين عامي(1566 _ 1616) أما المفاجأة الحقيقية أن بوكاتشيو قد استعار قصص الكتاب الإيطالي الأشهر (ديكاميرون) من كتاب (ألف ليلة وليلة) حتى أن إحدى ترجمات الكتاب العربية صدرت بعنوان (ديكاميرون: ألف ليلة وليلة الإيطالية) كل ما سبق هو جزء صغير من كتاب (رحلة الحكايات من الشرق القديم إلى العالم.)
الكتاب يتناول عدد من أشهر الحكايات العربية والتي تحمل أسماء أشهر كُتاب الغرب بداية من هوميروس مرورا ب جوته وشكسبير وحتى والت ديزني، جميعهم اقتبس حكايات شرقية قديمة جدًا، وأعاد نشرها ليبني بها مجدًا خاصًا به.
……………………….
الكاتبة/منى مصطفى إمام كاتبة مصرية
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان (مصافحة الجدران)، ورواية (المرجيحة)
………………………………