Skip links

( قصائد سردية تعبيرية ) – اختيار الأديب العراقي/ أنور غني الموسوي الحلي

انها قصائد مكتوبة بالنثر الكامل، بالجمل والفقرات والفوارز والنقاط من دون تشطير او فراغات. انها سرد ممانع للسرد حيث من رحم النثر والسرد ينبثق الشعر.

تمائم في نشيد الغرق
احمد لمقدم/ المغرب

 تدحرجتُ خارجَ القصيدة. كان الليلُ يعضُّ على وترٍ مشنوق، والنبيذُ يفتّشُ عن عروقِ الكلامِ في شفتيكِ. صوتُ المغني يتسلّقُ جدرانَ الغيبوبة، يرتعشُ كظلٍّ مكسورٍ فوق موجة، وأنتِ تبكينَ، تنسجينَ من دموعِكِ مدائنَ ضائعة، وأنا أعدّ نُدَفَ الحنينِ في عينَيْكِ، أرمّمُ ارتعاشَ الكلماتِ في فمِ الأغنية. قلتِ: “لِمَ تنطفئ النبرةُ بين يديكَ؟” فأجبتُ: لأنّ القصيدةَ مصلوبةٌ في حنجرةِ العاصفة، لأنَّ الناي يتقيّأُ الريحَ حين ينكسر. ما الذي يُلَمِّحُ إليه صوتُ المغني؟ ربّما كان يبني تابوتاً من نشيدٍ ممزّق، أو يغسلُ صوتهُ بدمِ المسافات، أو يربطُ ظلَّهُ بحبلِ الصدى كي لا يضيعَ في الفراغ.
تعالي، لنقطفَ من شفتيهِ بعضَ الغرق، ولنرميه في كأسٍ فارغة، فلعلَّهُ يغنّي مرةً أخرى، بلسانٍ مذبوح، وصوتٍ لا يسقطُ من أيدينا.

كلّما أناديكِ تعطّرت حنجرتي
كريم عبد الله/ العراق

هذا الأثيرُ يحملُ عطرَ تصاويركِ وحدها تتفتحُ في ليلِ عيوني , تمطرُ أحلاماً غزيرةً تسبحُ في ينابيعها الجديدةِ أصواتُ صبواتي , كيفَ لي أنْ ألمَّ بريقَ عينيكِ وهذي النجوم تستجدي أنْ تغسلَ عتمتها بزرقةِ شطآنكِ ! أكاليلُ الأزهار تصطفُّ كلَّ صباحٍ على شرفتكِ تنتظرُ متى تنهضينَ مِنْ نومكِ وتمنحينها العطر , أسرابٌ مِنَ الطيورِ تحطّ على مائدتكِ لعلَّ فُتات صوتكِ يجعلها تعرّدُ بعذوبةٍ شديدةٍ , حتى ملابسكِ في خزانتها تنتظرُ بشغفٍ متى تداعبها أناملكِ الرقيقةِ كي ترقص بغنجٍ وتستعيد بريقها , وحدهُ أسمكِ يفضحني فقبلَ أنْ أناديكِ تتعطّر حنجرتي وتعزف أوتارها سمفونيةَ هذا العشق , كلَّ اللواتي دخلنَ قفصَ صدري مِنْ خرمِ إبرةٍ خرجنَ معَ الزفيرِ يندبنَ حظهنَّ العاثرَ , إلاّ أنتِ تتمرّجحينَ بأوردتي فتزداد نبضات القواميسَ فأكتبكِ قصيدةً خالدة , يا لأصابعي لو لامستْ خجلَ الندى في وجنتيكِ لتبرعمتْ أنيناً يكابرُ زلزالكِ المجنون , فانتِ تنهمرينَ عليَّ كلَّ ليلةٍ وَفَراً يطهّرُ همجيتي , فترفرفينَ بأجنحة الاشتياق فوقَ أنهاري وتتوغلينَ في مدني .

رقصةُ الرُّخامِ
اعتماد الفراتي/ العراق

نَحَّاتُ العِشْقِ حَلِمُ الرُّؤَى، بِأَنْامِلَ مِنْ وَهَجٍ، يُنَحِّتُ الحُلْمَ بِشَهْقَةِ ضِيَاءِ. يَا رُخَامًا يَتَفَتَّحُ كَالْفَجْرِ بَيْنَ يَدَيَّ، أَمُدُّ أَصَابِعِي، أَهَبُكِ شُّعَاعَ الْأَنْفَاسَ جَلاتِيَا. أَفِيقِي مِنْ صَمْتِ الحجَارَةِ فَالرُّخَامُ يَرْجُو حَيَاةَ. أَسْمَعُكِ… أَهِيمُ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ، أَنْشَطِرُ بَيْنَ الجَمَادِ وَاللهَبِ. لَيْتَنِي أَمْلِكُ دَمًا يَرْتَجِفُ حَنِينًا، لَيْتَ قَلْبِي يَخْفِقُ بَدَلَ الصَّلْدِ السَّاكِنِ. أَيَّتُهَا الرُّوحُ، أَنَا المُسْتَحِيلُ الهَامِسُ فِي الفَرَاغِ الأَبَدِيِّ، وَهْمُ العِناقِ المُرْتَعِشِ، كَضَوْءِ يَعْبُرُ الحُلْمَ بَيْنَ الأَضْلَاعِ.
أَيْنَمُو الزَّهْرُ فِي قَلْبِ الحَجَرِ؟ أَيَعْشَقُ النُّورُ ظِلَّ الفَرَاغِ، خُسُوفُ القَمَرِ؟ كُلُّ شَقٍّ فِيَّ كَانَ جُرْحًا مِنْ يَدَيْكَ، كُلُّ مَلَامِحِي لَامَسَتْ رَاحَتَيْكَ. أَحِنُّ إِلَى نَارِكَ، أَسْمَعُنِي أَتَنَفَّسُ، فَأنا لَسْتُ سِوَى ذَاكِرَةٍ بَارِدَةٍ، حُلْمًا يُبْعَثُ لِيَمُوتَ فِي كَفِّ الحَقِيقَةِ.
قَالَ بِمُنْتَهَى الرَّجَاءِ وَالِاحْتِرَاقِ: “إِن كُنتِ وَهْمًا، فَلْيُبْعَثِ الوَهْمُ حَيَاةً، إِن كُنتِ صَخْرًا، فَلْيَذُبِ العُمْرُ انْتِظَارًا. أَيَّتُهَا الحُلْمُ، أَفِيقِي! لَا تَتْرُكِينِي عَاشِقًا فِي قَبْضَةِ الغُيُومِ، لَيْتَنِي أَكْثَرَ مِنْ وَهْمٍ، أَنْ أُحِسَّ دَفْءَ الشَّمْسِ، لَا بَرْدَ الحَجَرَ. أَنْ أَضْحَكُ، أَنْ أَبْكِي، هُنَاكَ يَأْتِي المُسْتَحِيلُ هَامِسًا: لَيْسَ كُلُّ العِشْقِ يُنْبِتُ رُوحًا، بَعْضُ الهَوَى يُصَقِّلُ الجَرَاحَ لِيُخَلِّدَ الأَلَمَ. وَكَمَا تُصْبِحُ الأَحْلَامُ مَنْحُوتَةً فِي الضَّوْءِ، يَظَلُّ بَعْضُ الحُبِّ نَقْشًا عَلَى صَخْرِ السَّرَابِ، لِيُولَدَ بِرَقْصَةٍ حَالِمَةٍ.”

فسيفسائية الودع
انور غني/ العراق

وداع بارد
سأبقى هنا وحدي، خلف الصمت وخلف الستار. نعم سأبقى وحدي بدونك لأنني عرفت ما معنى الألم؟ وما هو الحب الموحش؟ وعرفت كم هي قاتلة لحظات البرود؟ هذا البرود يقتلني ببطء، يسرق روحي ويذكرني بليالي الوحدة. إنه البرود المرير الذي سرق ابتسامتي. أنا لا أقول وداعا لك، فلقد ودعت الابتسامة منذ زمن بعيد.
وداع دافئ
سأتعثر كثيرا في ودروبك التي تركتها في داخلي. وسأجلس وحدي عند غروب الشمس أتذكر كل شيء جميل. إنها ليست أغنية بل لحظة دفء لا يمكنني إخفاؤها. بل أردد بخجل كلمات الشوق، وبكل حناني ألامسُ روحك الدافئة. أنا لا أقول وداعا لك، أنا أقول وداعا لابتسامتي.
وداع حار
كم هو حارق هذا الألم، وهذا الفراق. ينشرني في الهواء كصوت الريح فألامس خديك بكل قوة وأغوص في شفتيك بكل قسوة ثم أعود بكومة من الدموع ليست عيني هي التي تودعك بل قلبي وهذه الدموع قصة كتبتها الأيام. انه ليس صوتي وليست عيني بل حبك.  لا أقول لك وداعا فأنا أذوب وأتلاشى بألم هذا الوداع الحارق.

تسبيحة المساء
محمد خالد النبالي/ الأردن

في غفوة الظلام الهامس، تنطوي ساعات النهار برفق، تعبرين كنسيم خفي، ترتجفين كلحظة انشراح الصباح، كنسمة تسبيح تسرد مجد السماء. تتلألئين كقطرات الندى، تهمسين في أذن النجوم المتلألئة. أيا امرأة تمتد بجذور النقاء، تتزاحم على شفاه الأزهار أصداء ضحكاتك. كل ما فيك يعزف العطر أنشودة غريبة تحمل عبق طفولتك، برقة ونداء عذب يثير الأشواق.
ينساب سحرك إلى ضفاف الليل، فتتراقص الفراشات على نغمات همساتك العذبة، وكأنهن يحكين أسطورة من الورد والكلمات. كقمرٍ يتوج عرش السماء، تنسلين بأضواء قلبك المعطاء، تضيئين سرب التحولات. كلما انكسر صدى الليل، تتلمسين حكايا لا تُحصى. فرغم انحناء الظلال، يُنبت أبعادًا جديدة من عالم آخر بددته، وتركتِ ظلها قطرةً من ندى.
هل ترين؟ كنوز السماء تترتب على مآقينا. فالمخاطر كجذع شجرة لا تقوى على فراق الجذور، نسجت رياح الوجود منابر تضج بصرخات الفرح. إذا علمتِ أنني أغدق عطر الذكريات في كل ركن مظلم، وأدعو الندى للاحتفال بنور روحك.
ولكن، كوجه حدائق صامد، نظرة تُمحى مع الزمن، صوت ينفذ من أعماق الجذور المتشابكة يدعو لإعادة التفكير. لقد جئتني كنجمة وسط ظلام كثيف، وخضعتِ لي بأفكارك بلباسك الباهر الفضي المتلألئ. حصدتِ بسبلات الرأس الواعد، ولكن هل رأيتِ، يا مزهرة البساتين، أن المدائن السامية في القلب تضم عواصف الأنين؟ في كل رمق، هنالك سرور يشبع، ولكن ثمر الغموض قد قفز إلى يمين قلبك.
تواكبك ابتسامة الأمل إلى حد ما، ناقصة، لكن رأس الأسئلة يعوم في مياه التجارب مُحدثًا إعصار القلق. في النهاية، تتعاكس أصداء معاناتك في فوضى الوجود؛ حيث تتساقط أقنعة المساء منذ أيام كأوراق الخريف، وتظهرين روحك البريئة، مشرقة، في حقل صدري رطب.
ثانية… ثالثة… أنت سبحة تعبر عن استمرارية الجمال، ذلك النشيد حين تغمض (سمعاه) لحزنٍ ما، غير أنه يظل ملتهفًا لأمل. ها هي تتوه في متاهات كبوة لا ترى نهاية. القيم بين الأبعاد ليست إلا مرآة للتوازن، وأنتِ بين الكون الذي يظل يسعى، مهما زالت المأساة، تحوم، تبقى كواكب موزعة في زوايا الحياة. كلما سبحت، تعيدين إليَّ هاجسًا ما عليّ من ثوب الحزن والغور لأهازيج احتضنت التنوع، مما يبدو كعمق شخصية نحاول كسرها.

…………………………

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag