Skip links

قراءة في ديوان ( قصير فستان صبري) للشاعرة السورية/ ميادة مهنا سليمان – بقلم الناقد الجزائري/ إبراهيم ميزي

-وميض الديوان:

من يغوص في نتاج الشعراء المشهورين، يكتشف أن المكابدة منبع الإبداع؛ صحيح أن التأوه و الوجع يُتعب الفنان، ولكنه وحي النتائج التي خلّدت صاحبها في عالم التوليد والتأليف، ذلك أن التعبير عن المشاعر يترجم تفريغ الشحنة العاطفية ذات الطبيعة المؤلمة.

من هنا اشتهار ليلى العامرية عشيقة قيس بن الملوح (مجنون ليلى)، و عشق ولادة بنت المستكفي بالشاعر بن زيدون فأهداها نونيته الشهيرة..ثم جاءت “بثينة” التي أحبها الشاعر جميل بن معمر، وهامَ وتعلق بها لدرجة أنه سمي “جميل بثينة” وصار بسببها أشهر عشاق العرب.

كما هناك عشاق خلدهم ديوان العرب كعنترة وعبلة، قيس وليلى ويتبعها حسرات روميو وجولييت، إضافة الى كوارث شمشون ودليلة، وأنطونيو وكليوبترا، و”آلام فرتو” في كتاب غوته.

الحب عاطفة غير ديمقراطية .. ملك جائر يأمر دون أن يُحاول أن يبرر أوامره أو يبحث لها عن منطق أو أغلبية تُساندها .. إنه سلطان غطريس متعسف وطاغية حر .

العشق هو اجتياح واقتحامٌ واستئثارٌ وامتلاك، هو عدوانُ أرواح على أرواح، و طغيان قلوبٍ بقلوب، وما نراه من أنين العشاق وتفجعهم وتحزُّنهم، وإعلان استعدادهم للفناء فيمن يحبون، ليس إلا وسيلة للظفر بما يشتهون، فليس من المبالغة أن نقول إن الدمع في عين العاشق كالسمِّ في ناب الأفعي، فالعاشق يخدِّر فريسته بالدمع، كما يخدر الثعبان فريسته بالسم.

إذا قلت: حب امتلأت الجوانح بالأشواق والحشايا بالتلهف؛ فلا حياة ولا عيش ولا بقاء إلا به.

فالعقل بلا حب لا يفكر و العين لا تبصر و السماء لا تمطر و الروض لا يزهر و الباخرة لا تبحر ..

-المقدمة:

ليس كل حب عشق لكن كل عشق حب..الحب فرض به استقامت السماء و الأرض، به عبد الرب و ترك الذنب و هان الخطب واحتمل الكرب لولا الحب

ما التف الغصن على الغصن و لا عطف الظبي على الظبية.

ان الحب هو الذي يحول الحنظل شهدا، و الثرى تبرا، والكدر جلاء، و الألم نقاهة.. و السجن مرجا، هو الذي يلين الحديد، و يحيي الميت و يبعث الروح.

“ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة” .

الحب عالم من العواطف، ودنيا من الشعور فيها كل عجيب وغريب، وليس لنا إليه إلا هذه الكوّة الضيقة، الكلمة القصيرة ذات الحرفين: الحاء والباء. الحاء التي تمثل الحنان، والباء التي تجعل الفم وهو ينطق بها كأنه متهيئ لقبلة!

كلمة «الحب». ولكن كم بين حب وحب! بين حب التلميذ مَدرستَه، وحب الوالد ولدَه، حب الصديق صديقَه، وحب المتشائم الوَحْدةَ، وحب أكلة من الأكلات وحب منظر من مناظر الطبيعة وحب كتاب من الكتب … وبين حب المجنون ليلاه

الحب.. ثم الحب..ثم الحب..لن نمل ولن نكل من نطق هذه الكلمة..من يبحث عن الأمان يتجه نحو الحب و من يبحث عن الراحة يتجه نحو الحب..شعور لا يستأذن في الدخول الى القلوب..يعجز القلب عن التخلص منه إذا رسا في موانئه…من يحب لا يكره..الحب إن كان ربيعيا أفرحنا .. وإن كان شتويا أبكى العيون ولراحنا..

الحب تجده بحر هادي إن لحسنت العوم فيه…وتغرقك أمواجه إن كنت تدعي المهارة في الحب.. يبكينا ويفرحنا…يجرحنا ويداوينا…يسكرنا بغير شراب…إن غاب تصبح الحياة غابة…إن ضيعناه يحل الظلام مكان النور…ولن تستطيع لمس يد الحبيب..ولا معانقة الأم…ولا مصافحة الأخ والصديق..بغيابه ينتهي الكلام وتنتهي الحياة.

نحن أمامَ ظاهرة وجدانية وقعت بالفعل، هي وجود عشاق عُذريُّون أفلاطونيون وصل بهم العشق إلى حد التصوف، فلم تكن لهم في ظواهر الأمر مآرب حسية

يطفئون بها ظمأهم إلى الاستئثار والامتلاك.

التحليل الأدبي و الفني:

-1 ) العنونة :

“قصير فستان صبري”.. تيترولوجيا ثلاثي الأسماء نكرة، كاشف أزاح اللثام عن خبايا الديوان، ألفاظه كما نورت الأشجار، ومعان كما تنفست الأسحار؛ قد استعارت حلاوة العتاب، بين الأحباب، واسترقت تشاكي العشاق، يوم الفراق؛ حوى معنى خفيا، وكلاماً قريباً، و رمى غرضاً بعيداً؛ يقرب جناه، ويبعد مداه، ويؤنس مسمعه، ويؤنس مصنعه.

-قصير: خبر مقدم جوازا مرفوع..

-فستان: مبتدأ مؤخر مرفوع وهو مضاف ..

-صبرِي: مضاف إليه مجرور بِكسرةٍ مقدرة على آخره..

-و ياء المتكلم: ضمير مبني في محل جر بالإضافة.

العنوان يعد بصر وإشهار من سحر البلاغة و سر البراعة، و بيان النجابة، لإسقاط حسن الديباجة، صافي الزجاجة، رقيق المزاج، حلو المساغ، نقي السمك، طنان السمع و رنان الذوق مكثف مصيدة و مغناطيس يستسغيه المتلقي و القارئ،أججتها دلالة رومانسية حسية و بصرية للغة المشاعر و منبع الرغبة و الهيجان العاطفي.

-2) العصف الذهني:

إن ديوان “قصير فستان صبري”..بوح الصبابة و نثر كنثر الورد، و نظم كالسحر أو أدق، واتفاق الأهواء وامتزاج الأرواح وازدواج الأشباح وتخالص القلوب وتعارف الأفئدة، روضة المحبين ونزهة المشتاقين

غيض من فيض و روض من حوض؛ يحمل دفقا شعوريا و سيلا وجدانيا و منبعا نفسيا و فيضا لغويا.. كشواظ من نار يسلب العقول و يخترق الصدور..

إنه محراب يتعامل مع الأدب ، يغازل الشعر و يحاكي النثر كشغف و حاجة روحية؛ يطارد الكلمات، و يسبح في بحر الخيال الشاعري، يناطح النجوم و السها و الفراقد؛ ليبعث تراتيل الصمت على صهوة السلام، مرة يناجي النفس التواقة المحترقة ، و تارة يتبرأ من لهيب الفقد و الفراق، يتأمل مياه النهر، و خرير الماء، فترتوي القلوب، يسقي الجداول حبا، و أملا و جلنارا.. و تارة يناجي لوعة قلب الحبيب واشتغاله، واحتراقه ، و مرات يكتب عن الدموع .. و يغوص في عوالم المرأة و الأنوثة و الخصب و يزدلف لهموم الانسان،و الكينونة، و مرات يعرج بنا الى الوجود و الفراغات الانسانية و المادية و يسعى لبحث في هذه القضايا الانسانية الحارقة، العاطفية، و كلماتها و تعابيرها، و الفاظها الجميلة الراقية، فيمنحنا الدفئ و راحة البال و يعطينا الأمل و يبثه في نفوسنا رغم الألم و الوجع.

3) البنية النّـصية :

نسيج أدبي آسر و مائز غاية في البيان و السحر، يستقر في العقول و يعلق في القلوب.. توشح أحاسيس العاطفة و الوجدان..العتبة وظفت كناية للمتعة و الرقة و التأمل و حقل لحواس الإنسان ومشاعره، ومعراج لعالم عشق الأرواح ونهباته وإسراء لمحراب الحب وسطواته لذلك الحبٌّ الخالصٌ من شوائب الدَّنس والرِّجس، هو ذلك الحبٌّ الطاهر الشريف، لا يعرف مُخزِيات المآثم، ولا مُندِيات الأهواء.

إن الشاعرة ليست بأنس، وإنما هي مَلَك سمت و حلقت و عرجت فإن لم تكن ملَكًة فهي إنسانٌ من طراز غير طراز هذا الخَلق الذي يسدُّ جوعه بالطعام والشراب، كما يصنع سائر الحيوان، فيؤذيهم جوع الأرواح لا جوع البطون.

الشاعرة روحٌ ثائرة لا تعرف القرار والهدوء والاطمئنان؛ هي جذوة من اللهب المقدَّس الذي يضطرم به الوجود.. هي طائرٌ يرى الخوف في آفاق السماء أفضل من الأمان فوق وهاد الأرض.

الشاعرة روح مقتحم لا تطيب لها الغزوات إلا في الآفاق الروحانية، وهي تشعر بالذلة حين تنحط إلى المدارج الأرضية لا ترى ذاتها و نفسها مخلوقة من لحم ودم وأعصاب، وإنما تراها سبيكة نورانية صاغتها المقادير وفقًا للجوامح من أهوائه الساميات.

باختصار هي نهبات الروح الوحيدة الذي تستصبح بظلمات الليل، والتي تتَّخِذُ من خيالها سُلمًا يرقى به إلى معارج السماوات الروحانية.

الديوان متعة و متاع.. جليس في العزلة، و خليل في الليالي، وبوابة للارتقاء بالإنسان وبنائه، وتكوينه الأدبي و الذوقي ، له رائحة ونشوة ،و له لون وطعم ومذاق خاصٌّ لا يعرفه ولا يحس به إلا محبوه الذين يهتزون شوقًا لفوائده ودُررِهِ، ويكبون على خرائده وجواهره.

ديوان “قصير فستان صبري”..يترجم الشوق و الاشتياق و الرجاء و التمني.. سرده يعكس سطوات العشق ونهباته، وروعات الحب وحسراته، وحديث الوجد وقديمه، وولوع القلب واشتغاله، ومرارة فراق الحبيب وفقده.

محراب يتعامل مع الأدب ، يغازل الشعر و يحاك النثر كشغف و حاجة روحية؛ يطارد الكلمات ، و يسبح في بحر الخيال الشاعري، يناطح النجوم و السها و الفراقد؛ ليبعث تراتيل الصمت على صهوة السلام، مرة يناجي النفس التواقة المحترقة ، و تارة يتبرأ من لهيب الرحيل و الفراق، يتأمل مياه النهر، فترتوي القلوب، يسقي الجداول حبا، و أملا و جلنارا.. و تارة يناجي لوعة قلب الحبيب واشتغاله، واحتراقه ، و مرات يهمس عن الحب.. و يغوص في عوالم العاطفة و قضايا المرأة و الأنوثة و يحاك ضحايا الحب.. فيمنحنا الدفئ و راحة البال و يعطينا الأمل و يبثه في نفوسنا رغم الألم و الوجع.

لقد شرحتِ صدورنا بالكلام الصادق ، والبيان الناطق ، واللفظ الدافق ، والأسلوب السامق ، فكتبت على صفحات القلوب رسائل من التأثير ،و بالفصاحة ، والبراعة و النجابة رسمت في العقول صوراً من براعة التعبير ، وبنيت في الأفئدة خياماً من جلال التصوير.

-4)رسالة شكر و عرفان:

سيدتي الفخر..

جاءت الكتابة السّردية، و أسلوب تمريـر الخطاب ، بطريقة غاية في البيان ، و الوصف، و التعبير

ـ توظيف للجمل القصيرة المعبرة و الإيجاز الفنّي السامق.

ـ اعتماد الكناية و اللّغة المجازية لتمرير الخطاب .

ـ الاحتفاء بالرمز اللّغوي، و التّرميز .

ــ الكتابة مشبعة بالعوامل النفسية المؤثرة

البنية النصية امتزج فيها فنّ الرّسم، و فنّ القصّ ، نستسغي التّداخل العجيب بين تشكيل اللّوحة برموزها و ألوانها و خطوطها، و بين الكلمات في نسقها الرّمزي، و بنائها الشّاعري، و تركيبها المشبع بعمق الدلالات، و وميض المعاني و الإيحاءات . الشيء الذي يبشر بعطاء و فير و توليد متميز ..

بورك لك و فيك تملكين دواعي النثر المحبوك ، و وسائل التّنوع الأسلوبي المَسبوك ، و ُتقبلين على الفن و الرّسم القصصي .. ما جعل ديوانك ، مسحة ألوان ، و نأمة أوزان ، وقضايا إنسان .

سيدتي غزلتِ فنسجتِ، و سردتِ فسحرتِ. من سحرك تلقب هاروت بالساحر.. ديوانك ترانيم على أنغام الروح والحرف الأنيق من يراعٍ سامقٍ ماسّيٍّ رفيع ، يجري مجرى السحر، ويرتفع حسنه عن النعت.

ما أوسع مداركك وما أروع نثرك وما لعذب فيض جداولك.. أدبك كالماء إلا أن له لون و رائحة و طعم توشح عمق المعنى و شفيف العبارة و جودة الفكرة، و لطف الأدب.. أبدعت وأمتعت فلا عدمنا أناملك و لا جفت محبرتك.

أطال الله لك البقاء، كطول يده بالعطاء، ومد لك في العمر، كامتداد ظله على الحر..و أدام الله لك المواهب، كما أفاض به الرغائب، وحرس لديك الفواضل، كما عوذ به البر الشامل.. لمثلك نستصغر بنات نعش.

-5)الفكرة الخفية:

الحبُ الذي لا يوصل إلي غاية، تركه واجب، والتمسّك به سفهٌ وجنون. ياسيدتي ؛ لكل حبٍ منتهى وغاية، فالعشق في شرع العشّاق حرامٌ إن لم يكن نهايته الزواج والوصال.

…………………..

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag