
الشعور بالسعادة حلم يراود الناس جميعا، يسعون إليها بشتى السبل، وخاصة عندما يشعر الناس بكبر السن، ويشتهون عودة الشباب، وهو شعور صادق ولكن من السنن الكونية أن يكون للإنسان بداية ووسط ونهاية.
تلقف الروائي د.طارق الزيات الفكرة وبنى عليها عملا فنيا يوظف فيه فكرة “هرمون السعادة”وهو مادة كيميائية أو هرمون موجود بشكل طبيعي في جسم الإنسان، حيث يعزز من الشعور بالسعادة.
وهذا يعني أن الروائي يمكن أن يعبر بالرواية عن فكرة معينة نتيجة أن العقل الواعي هو العقل القادر على احترام الفكرة حتى ولم يؤمن بها.
اعتمد د.الزيات فى روايته المكثّفة على تقنية تعدّد الأصوات أو ما يعرف بـ«الرواية البوليفونية»، حيث يتصدى للسرد مجموعة من الشخصيات الواعية واللاواعية، من أجل رسم مشهد تغلب عليه الأسئلة التى لا تتوخّى القطع أو تقديم أفكار حاسمة بشأن قضايا ملتبسة وإشكالية. فهي رواية تتّكئ، بشكل أساسى، على أزمة الوجود الإنسانى المهدّد، دومًا، بالتلاشى والموت والعدم. ورغم شبح الموت الذى يطلّ برأسه فى كل لحظة على مسرح الأحداث، إلا أنّ البطل يرفض الاستسلام، ويظل متحصّنًا بعودة شبابه وجنون الصبا والشباب وطيش المراهقة فى مواجهة الذبول والشيخوخة ثم الموت، ويبقى متشبّثًا بالحياة القصيرة، الهادرة، العابرة، الغادرة، ويواصل مسيرته دون توقّف.
الأجمل فى هذه الرواية هو عمقُ التفكير الفلسفى المبثوث فى تضاعيف أحداثها. ذلك بأنّ الفلسفة تُنقذ السرديّات من فتنتها العابرة، وتغوص بها على معانى الاختبار الوجودى فى أشدّ إرباكاته استنهاضًا للعقل المستنفَر.
المدهش فى أسلوب هذه الرواية أنه بالغ السلاسة والعذوبة والرقة فى آنٍ واحد، فليس فيه أى مناورات فى الزمن، ولا يفاجئنا بأى حيلة تقنية جديدة، غير إجادة الحوار بين الشخصيات، وقدرته على تنامي الأحداث وتسارعها، فيحكى بتدفق ويسر يأسر قارئه، ويثير شغفه، ويجعله رهين متعته الجارفة. يقدم رؤية رجل رغب في عودة شبابه إلى حيوته المتقدة بعد أن عانى ما عانى مع زوجته التي انشغلت بالأولاد وتربيتهم عن الاهتمام به شخصيا، فلجأ إلى عصابة تبيع الوهم، وتتكسب منه. فغاب عن بيته ستة أشهر، حتى تكتشف زوجته أن غيابه ليس بسبب سفره كما زعمت لها العصابة التي يرأسها صديق له. راعنا فى شخوصه تتعددها واختلاف توجهاتهم، فشخصية ناظم في تفكيرها الراغب في عودة صحته وعافيته تختلف عن شخصية صديقه كامل رفعت التي تجسد الشر، وبدورها تختلف عن شخصية أمين الصديق المخلص الوفي الذي رضي بقدره ونصيبه من الحياة البسيطة، لكنه مرتاح نفسيا راضيا بها. الشخصيات الأكثر جدلا في الرواية هي الشخصيات النسائية؛ فادية زوج ناظم، وميسون زوج ناظم الثانية، وسالي،محبة للمال، زوج رئيس العصابة،ولنتأمل هذا الحوار حتى يتسنى لنا أن نقدم تصورًا متماسكًا نقيس تقاطعاته وتوازياته في النصوص الحديثة:
فادية، صدقيني، ناظم لن يطلق زوجته، وأنا أنصحك بإخلاص، ابقي على ذمته، واطلبي منه أن يقيم خارج البيت، واجعلي حياتك مع الأولاد طبيعية.قالت فادية:
– لقد فكرت في هذا الحل، ولكن ما الفائدة؟!
– الفائدة كبيرة؛ أولا: أنت لن تتزوجي الآن، إلا لو تخليت عن أطفالك، فهل أنت على استعداد للتخلي عنهم؟! لن ألومك لو قلت إنك على استعداد لهذا.
– لا، لست مستعدة، ولا مستعدة نفسيًا للزواج، وأريد أن أحتفظ
بالأولاد معي.
– حسنًا، يجب أن تعلمي أن زيجات قليلة نادرة التي استمرت بنجاح،
والزوجة تعيش مع زوجها، وأطفالها من زوجها الأول. هذه حقيقة، لا
يوجد رجل مستعد لتحمل مسئولية أبناء رجل آخر.
– أعرف هذا.
– عظيم.. بقا ؤك على ذمته؛ سيضمن لك حياة جيدة اعتد ت عليها أنت وأبناؤك، وسيضمن تواصل ناظم مع الأولاد، وحتى ظهوركما سويًا للحياة العامة، بلا حرج. ومن ناحية أخرى، فإن الدنيا حياة، وموت -ولا قدر الله -إن توفي ستنالين نصيبك من الثروة، وحتى لو اقتسمتيها مع زوجته الحالية، فهي ستظل ثروة كبيرة، وهذا حقك.
– المال لا يعنيني في شيء.
– هذا كلام فارغ، وفلسفة مؤذية؛ المال مهم، بقدر ما يؤمن لك احتياجاتك، وبقدر ما يؤمن مصاريف العلاج، بقدر ما يؤمن لك سكنًا نظيفًا، أنا لا أتحدث عن كنزه، ولكن أتحدث عن توظيفه. دون المال تصبح الحياة بؤسًا! هل تصدقين من يكتبون إن المال لا يجلب السعادة؟! نعم، قد لا يجلب السعادة، ولكنه يجنبك الفاقة، والعوز،والإذلال، نحن لسنا بصدد تنظير فارغ، لا، هذه حياة، وبيوت مفتوحة،ومصاريف لا تنتهي، أرجوك أفيقي من غفلتك.
الاستعداد الفطرى لدى د.الزيات فيما درجنا على تسميته بالموهبة، وهى طاقة إبداعية يملك كل إنسان قدرًا منها، لكنها تتجلى فى لغة سرده على وجه التحديد فى كفاءة امتلاك اللغة، والقدرة على التصرف فيها، والشغف بجسدها المادى فى الألفاظ والتراكيب، وأهم من ذلك القدرة على تفجير طاقة التخيل الكامنة منها بالوصف والحوار، وكلما اتسعت رقعة هذه الملكية اللغوية وزادت فاعلية توظيفها ضمنت لصاحبها كفاءة عالية فى الاستخدام، وقدرة مبكرة على التمكن.
………………………….