
يحدث في رمضان ما لا يحدث في سواه من الشهور في شتى بقاع الدول العربية والإسلامية، وهو نفس الحال والحدث في اليمن، صنعاء.
يتأهب المسلمون لاستقبال رمضان استقبالاً يليق به من حيث الاستعداد الروحي والمادي، فتشاهد في أواخر شهر شعبان الأسواق مكتظة بالناس التي تشتري ما تحتاجه لشهر رمضان، الذي يسمونه “شهر الخير”، وبالذات الناس البسطاء والفقراء، الذين يتفاءلون بأن رمضان (شهر يأتي بخيره.. شهر الخير)، ففيه يخرج الميسورون زكاتهم كي لا يبقى جائع في رمضان، وأغلب الناس تخرج أصنافاً من مائدتها وقت أذان المغرب لعابري السبيل والمارين في الشارع. حيث تتداول الناس الموائد كنوع من أنواع المشاركة واحتساب الأجر (إفطار صائم).
في رمضان تزداد الأطعمة والأشربة التي يستخدمها الناس طيلة السنة، ولكن يكثر استخدامها في رمضان، وتمتلئ الأسواق بها، ويقبل الناس عليها إقبالاً كثيراً، كالحلويات والمشروبات الباردة. ويتجه الصائمون نحوها لأسباب عدة، فالمشروبات طبيعية تمد جسد الصائم بالطاقة والحيوية، وتعادل نسبة السكر في الدم، ولها فوائد جمة.
فمثلاً، شراب الشعير يفيد الجهاز الهضمي على وجه الخصوص، وكذلك الكلى، أما شراب القديد (الخوخ المجفف) فيحرص الناس أن يكون محلياً (بلدي)، يأتي موسمه فيجففه المزارعون ويُباع بكثرة في رمضان، إما (قديد) مجفف أو مشروب قديد يخلط معه الهيل والقرنفل (الزِّر)، مُحلَّى بعسل أو سكر.
والشراب الثالث الأكثر استخداماً هو شراب الزبيب، ويحرص اليمني لاسيما (الصنعاني) أن يكون زبيباً محلياً (بلدي) من مناطق مشهورة بعنبها الممتاز كبني حشيش وخولان. إضافة إلى عدة عصائر، كالليمون والمانجو وغيرها الكثير، لكن هذه هي العصائر الأكثر رواجاً في الأسواق الشعبية.
مهنة متوارثة
ثمة محلات مختصة ومشهورة بها فقطـ، وغالباً ما تُباع إلى جانب الحلويات الأكثر استهلاكاً في رمضان، كما قال البائع أبو علي الشعباني.
أخبرنا أنه في مهنه صنع هذه الحلويات منذ أكثر من سبعين عاماً أباً عن جد، وهذه المهنة متوارثة في عائلتهم، ويحرصون كل الحرص على إدخال الجديد في الحلويات ومواكبة الذائقة العامة.
وعن أكثر الحلويات مبيعاً أفاد بأن الروَّاني والشعوبية والقطائف والدُّبا (اليقطين) أكثر شراءً من الناس طيلة السنة، إلا أن رمضان يعتبر موسماً بالنسبة لهم..
وأفاد أيضاً أنها تُنسب إلى الأتراك، وهذا الشيء لا يمكن نكرانه، إلا أنهم استحدثوا وطوروا فيها من خلال استخدام مواد بدائل أخرى حتى تكون صحية أكثر.
أما أبو حمير للحلويات، مقره باب السباح، فقد أخبرنا أيضاً أنها مهنة أجداده، توارثوها حتى وصلت إليه، ولهم في هذه المهنة ستون سنة، وهو يمتهنها بكل شغف منذ عام 1990م وحتى اليوم.
وحين سألته عن مكوناته بابتسامة لطيفة أخبرنا أنها سر المهنة، مشدداً على تجنب النشأ وأي مواد ضارة. كما أكد انها تركية، لكن الحلواني الصنعاني الذي أتقنها تفنن في تغيير بعض المواد المستخدمة لصنعها واستخدم مواد طبيعية محلية.
أبو حمير ركز في حديثه عن الجزر الأحمر المحلي (البلدي)، (مربى الجزر)، فهو يُقطع على هيئة شرائح، ويُحلَّى بالسكر فيكتسب اللون البنفسجي الغامق الجميل، ويعتبر محلي الفكرة والصنع كما أفاد.
واتفق مع أبو علي أن رمضان موسم البيع الأكثر من بين شهور السنة، وأكد أن هذه الأنواع من الحلويات الشعبية تعتبر ركيزة أساسية في السفرة الصنعانية، مثلها مثل (الشفوت)، والحلبة الحامضة التي تحضر على المائدة الرمضانية، لاحتياج جسد الصائم لنسبة السكر، فيتجه الصائم نحو هذه الحلويات الشعبية والمشروبات الطبيعية.
أكلات ومكونات
يتكون الرواني من الدقيق الأبيض والبيض والسكر ولقليل من الخميرة، وما يميز الرواني أن الحلواني يكثر من البيض ويخفقه كثيراً ومن ثم يضع القليل من الدقيق، وبعد وضعه في الفرن يحضر (الشيرة) منفصلاً عن الرواني، وهو عبارة عن ماء بقدر مكونات الرواني وسكر بكمية تتناسب مع الطعم، وحبات من الهيل والقرنفل (الزر).
أما الشعوبية تختلف عن الرواني باستخدام الدقيق أيضاً، إلا أن البيض يكون فيها أقل، وبإضافة بيكربونات الصوديوم مع القليل مع الخميرة. وما يميز الشعوبية أنها تبقى لأيام كثيرة بدون أن يتم تشربيها (الشيرة)، ومتى أراد استخدامها تشرب الشيرة وتجلس لساعتين أو أكثر حتى تتشرَّبها وتؤكل بعدها.
“بلح الشام”.. نسميها في اليمن (طرمبة)، لاسيما في محافظة تعز، مكونة من الدقيق والبيض والقليل من الخميرة. وتختلف المكونات وطريقة عمل الحلويات من شخص لآخر، وهذا ما يسمونه سر المهنة.
وتكتظ الأسواق الشعبية بالصائمين في رمضان كل يوم حتى أذان المغرب، ولا غرابة أن نجد أصحاب البيوت يخرجون موائد إلى الشوارع لإفطار المتأخرين في الأسواق، والمارة الذين انطلق أذان المغرب وهم في الشوارع ولم يصلوا إلى بيوتهم البعيدة وقت الإفطار.
…………………………………