Skip links

السعادة جوهر الوجود ومعناه – الكاتبة/ للإيمان الشباني .. المغرب

السعادة، تلك الكلمة البسيطة التي تختزل أعقد المشاعر الإنسانية وأكثرها تباينًا، لطالما كانت محط تفكير الفلاسفة والأدباء والمفكرين. هي حلم يراود الجميع، وبحث لا ينتهي عن ذلك الشعور العميق بالرضا والانسجام مع الذات والعالم المحيط. لكن، هل يمكن أن تكون السعادة مطلقة أو ثابتة؟ وهل يمكن تعريفها بمفهوم جامع مانع، أم أنها تتلون بتجارب الأفراد واختلافاتهم؟

السعادة ليست حالة دائمة، بل هي لحظات نعيشها بأشكال مختلفة. إنها فسائل أمل نغرسها في قلوبنا، تنمو وتزهر حين تجد بيئة مناسبة. هي ليست هدفًا نسعى إليه فحسب، بل رحلة نعيشها بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة. كل منا يراها من منظوره الخاص، من زاوية ما ينقصه أو يتمنى تحقيقه. ولهذا السبب، فإن السعادة بطبيعتها نسبية، لا يمكن أن تكون تامة أو عامة.

قد يرى البعض السعادة في الإنجاب، حيث يعتقدون أن الأبناء هم امتداد للحياة ومعناها. يرى هؤلاء أن الأسرة لا تكتمل إلا بضحكات الأطفال، دون إدراك أن التأخير في الإنجاب قد يكون لحكمة إلهية، وأن السعادة ليست دائمًا في الحصول على ما نريد، بل في الرضا بما قسمه الله لنا.

آخرون يجدون السعادة في التعبير عن ذواتهم، عبر الكتابة أو الفن أو أي شكل من أشكال الإبداع. حين يمسك الكاتب قلمه، ويبدأ في سكب مشاعره وأفكاره على الورق، يعيش حالة من الانسجام الروحي والفكري. هذه اللحظات البسيطة، التي يختلط فيها العقل بالقلب، تمنح الكاتب نشوة داخلية لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر.

على الجانب الآخر، هناك من يرتبط مفهوم السعادة لديهم بالاجتماعات الصاخبة والعلاقات الاجتماعية المتعددة. يجدون سعادتهم في الأضواء والمناسبات، حيث يشعرون بأنهم جزء من حراك الحياة. لكن الغريب أن هؤلاء أنفسهم قد يرون من يجد السعادة في الوحدة والخلوة شخصًا غريب الأطوار، مما يعكس طبيعة البشر المختلفة.

السعادة ليست دائمًا شعورًا نقيًا أو إيجابيًا. هناك من يجد سعادته في السيطرة على الآخرين أو التلذذ بتعاسة من حوله. النرجسي مثلًا يرى سعادته في مدح نفسه وتحقيق تفوق وهمي على الآخرين، بينما السادي يتلذذ بإيذاء الآخرين نفسيًا أو جسديًا. هذه أشكال مشوهة للسعادة، لكنها بالنسبة لهم تعبير عن شعورهم بالرضا، وإن كان مؤقتًا.

في مجتمعاتنا، قد ترتبط السعادة عند بعض الفتيات بالزواج، ليس بالضرورة لأنه يحقق لهن الأمان أو الحب، بل خوفًا من نظرة المجتمع للفتاة العزباء. ترى بعضهن أن كلمة “متزوجة” هي بوابة السعادة، في حين ترى أخريات السعادة في العزوبة أو حتى في الطلاق، إذا كان الزواج مصدرًا للتعاسة. هذا التباين يكشف أن السعادة ترتبط بمفاهيم ثقافية واجتماعية تختلف من شخص لآخر.

السعادة عند الأمهات تمثل جانبًا إنسانيًا عميقًا. أم تجد سعادتها في التضحية من أجل أبنائها، تسهر على راحتهم وتبذل كل ما في وسعها لتحقيق أحلامهم، وأخرى ترى السعادة في شعور بالعطاء والإنجاز حين ترى أبناءها يكبرون بنجاح. لكن هناك أيضًا من الأمهات من ترى السعادة في الحصول على عطاء أبنائها، حتى لو كان ذلك فوق طاقتهم، وهو نوع من الأنانية التي تتجلى في بعض العلاقات الأسرية.

السعادة قد تكون بسيطة للغاية، بكلمة طيبة أو لحظة تأمل صافية. هناك من يستشعرها في الطبيعة، حين يتأمل شروق الشمس أو يسمع صوت العصافير. وهناك من يجدها في تحقيق أهدافه المهنية أو العلمية. لكنها في كل الأحوال ليست شيئًا يمكن تحديده بإطار أو قانون.

الفلاسفة أنفسهم لم يتفقوا على تعريف محدد للسعادة. أرسطو رأى أنها تكمن في الفضيلة وتحقيق الخير الأسمى. بينما رأى الرواقيون أن السعادة هي التحرر من الشهوات والانفعالات. في المقابل، اعتبرها سقراط حالة داخلية من الاتزان النفسي والعقلي، حيث تبتعد عن الماديات وترتبط بالرضا عن الذات.

في النهاية، السعادة ليست مفهومًا جامدًا، بل حالة مرنة تتكيف مع احتياجاتنا وأولوياتنا. قد نجدها في أبسط الأمور أو أعقدها، وقد تكون لحظية أو ممتدة. لكنها في جوهرها تعبير عن رغبتنا العميقة في أن نحيا حياة ذات معنى.

اللهم اجعل سعادتنا في رضاك، وفي تحقيق أحلامنا بأهداف نبيلة، واجعلها نورًا يعم قلوبنا وينير دروبنا، لنكون سببًا في إسعاد من حولنا.

للاإيمان الشباني انواع العلاقات المجتمعية

العلاقات المجتمعية تشكل جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، فهي تعكس طبيعة تفاعله مع الآخرين وتساهم في بناء شخصيته وفهمه لنفسه وللعالم من حوله. تختلف أنواع العلاقات التي نخوضها في حياتنا، وتتنوع من حيث أهدافها وتأثيرها ومدة استمرارها، لكنها جميعها تترك أثرًا واضحًا علينا. بعضها يأتي ليبقى، وبعضها يختفي بعد أن يؤدي دوره، وهناك من يعبر حياتنا تاركًا أثرًا إيجابيًا أو سلبيًا، لكن في كل الأحوال تظل العلاقات البشرية ضرورة لا غنى عنها.

تبدأ العلاقات المجتمعية بأشخاص يظهرون في حياتنا لفترة معينة، يحملون رسالة أو تجربة، ثم يغادرون. قد تكون هذه العلاقات عابرة، لكنها تحمل دروسًا تجعلنا نعيد التفكير في أنفسنا أو في طريقة تعاملنا مع الآخرين. أحيانًا يكون وجودهم أشبه بمهمة مؤقتة، هدفها المساعدة على تجاوز أزمة أو تحقيق هدف، ومن ثم ينتهي الدور الذي جاؤوا من أجله. وفي المقابل، هناك علاقات أكثر ديمومة، تستمر معنا لفترات طويلة وقد تترك بصمة واضحة في حياتنا، أو قد تختفي تدريجيًا إذا لم يكن لها تأثير يذكر.

العلاقة الكارمية واحدة من أبرز هذه الأنواع، وهي علاقة تحمل طابعًا روحانيًا وفلسفيًا عميقًا. تُعد هذه العلاقة وسيلة لتطوير الذات وتنقيتها من الشوائب النفسية والروحية. في هذا النوع من العلاقات، نجد أن الأشخاص يدخلون حياتنا ليعكسوا لنا ما نفتقر إليه أو لنواجه من خلالهم نقاط ضعفنا التي لا نلاحظها. غالبًا ما تكون العلاقة الكارمية بين شخص طيب وآخر مستغل أو معتدٍ. الشخص الطيب يحاول باستمرار إيجاد الحلول وتقديم التضحيات، بينما يسعى الشخص الآخر إلى استغلاله واستنزافه ماديًا أو عاطفيًا. رغم الألم الناتج عن هذه العلاقة، فإنها تُعد تجربة ضرورية للوعي والنضج. من خلالها، يتعلم الشخص الطيب حماية نفسه وإعادة تقدير ذاته، ويكتسب قوة تمكنه من تجاوز أي علاقة مشابهة مستقبلاً.

أما العلاقات الآلية، فتقتصر على التواصل الجسدي فقط. يفتقد هذا النوع من العلاقات إلى العمق العاطفي أو الفكري، حيث يتمحور حول إشباع الحاجات الجسدية دون بناء أي ارتباط حقيقي بين الطرفين. في المقابل، تأتي العلاقة الإنجذابية التي تحمل في طياتها مزيجًا من الإعجاب والانجذاب العاطفي والداخلي، وهي تتسم بتوازن أكبر حيث يتبادل الطرفان المشاعر الصادقة والود ويعتمدان على بعضهما البعض بشكل متساوٍ.

نوع آخر من العلاقات هو العلاقة الاعتمادية، والتي يفتقر فيها أحد الطرفين إلى الاستقلالية الكاملة، مما يؤدي إلى اعتماد مفرط على الطرف الآخر في عدة جوانب. قد يكون هذا الاعتماد ماديًا، حيث يتحمل أحد الطرفين العبء المالي بالكامل، أو عاطفيًا، حيث يتوقع طرف أن يتحمل الآخر مسؤولية التعبير عن المشاعر والمبادرة في تعزيز العلاقة. هناك أيضًا الاعتماد على القرارات، حيث يترك طرف للطرف الآخر مسؤولية اتخاذ جميع القرارات المهمة في حياته، مما يخلق حالة من عدم التوازن والاستنزاف للطرف المُعتمد عليه.

العلاقة المفتوحة هي نوع آخر من العلاقات التي تتطلب اتفاقًا صريحًا بين الطرفين على بناء علاقات أخرى خارج الإطار التقليدي للعلاقة. هذه العلاقات قد تحمل طابعًا جنسيًا بحتًا، لكنها تُعد من أخطر أنواع العلاقات نظرًا لما قد تسببه من تعقيدات نفسية وأخلاقية وتداخلات عاطفية قد تؤدي إلى الانهيار الكامل للعلاقة الأصلية.

في الجانب الآخر، هناك العلاقات السامة التي تُعتبر الأكثر ضررًا على الإنسان. هذه العلاقات تدمّر الإنسان نفسيًا وجسديًا وعاطفيًا. في هذا النوع من العلاقات، يكون هناك طرف مُسيطر أو مستغل وطرف آخر مُستغَل أو متسامح بشكل مفرط. يستنزف الطرف المسيطر الآخر بطريقة منهجية، مما يؤدي إلى انهيار الثقة بالنفس والشعور بالعجز. العلاقات السامة قد تكون بين الأصدقاء أو في إطار الأسرة أو العمل، لكنها دائمًا ما تؤدي إلى آثار نفسية عميقة إذا لم يتم التخلص منها.

في نهاية المطاف، تظل جميع هذه العلاقات فرصًا للتعلم والنمو. من خلال تجربتها، يمكننا أن نفهم أنفسنا بشكل أفضل ونعيد تقييم معاييرنا ومواقفنا تجاه الآخرين. علينا أن نختار بعناية العلاقات التي نستثمر فيها وقتنا وجهدنا، مع التركيز على العلاقات التي تعزز قيمنا وتساعدنا على النمو الإيجابي. الأهم من ذلك، أن نسعى لأن نكون فاعلين ومتفاعلين في هذه العلاقات، بدلاً من أن نكون مجرد متلقين. في عالم مليء بالتحديات والتغيرات، تبقى العلاقات البشرية هي الرابط الذي يجعل للحياة معنى، وهي المرآة التي تعكس حقيقتنا وتساعدنا على اكتشاف ذاتنا.

………………………………

اللوحة للفنان/ عبد الرحيم لبيض .. الجزائر

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag