Skip links

( الحوار ) – الكاتبة/ إيمان الشباني .. المغرب

الحوار هو جسر يمتد بين الأرواح، وسيلة للتواصل تتجاوز الكلمات لتلامس أعماق القلوب، وهو في جوهره رقصة هادئة بين الناس عقلين وروحين يسعيان إلى الفهم والاقتراب دون فرض أو صراع. ليس الحوار معركة يُراد منها الانتصار، بل هو مساحة يتلاقى فيها الاختلاف ليصبح تكاملاً، وينكشف فيه المستور من الفكر والوجدان بلطف وحنان. حين نتحاور بصدق، نحن لا نبحث عن الغلبة، بل عن لحظة تلتقي فيها كلمتنا مع كلمة الآخر في حضن من الاحترام والمحبة. الحوار ليس مجرد حديث، بل هو دعوة إلى الاستماع قبل الكلام، وإلى رؤية الطرف الآخر بعيون قلب صادق لا بعدسة عقل متحيز. إننا حين نحاور برفق، كأننا نطرق باب روح الآخر بلطف، نطلب الدخول لا اقتحاماً، بل انتظاراً لإذن صامت بأن نقترب

في هذه الرحلة الحوارية، يسبق الكلمات شعور دفين بالحب المكنون، ذلك الحب الذي لا يحتاج إلى صراخ ليُسمع، ولا إلى حدة ليُثبت وجوده، إنه حب يظهر في نبرة الصوت، في اختيار الكلمات، في لحظات الصمت التي تحتضن الحديث قبل أن يولد. الحب في الحوار يشبه لمسة عابرة على الكتف في وقت الحاجة، نظرة تشجيع حين تتلعثم الكلمات، ابتسامة تُقال بها ألف عبارة دون صوت. إنه إحساس بأن الحوار ليس مجرد تبادل أفكار، بل هو تقاسم أرواح وتجربة إنسانية مشتركة. كل كلمة تنطق بها وأنت تحمل في قلبك محبة للطرف الآخر، تتحول إلى جسر يُبنى من الثقة والطمأنينة. لا يحتاج الحوار المفعم بالحب إلى صراع مجنون، لأنه لا يقوم على رغبة في إثبات الذات أو كسر الآخر، بل على رغبة صادقة في الفهم والاقتراب

قد يختلف المتحاورون في وجهات نظرهم، لكنهم إذا حملوا في قلوبهم تلك الملامسة الرفيقة، سيجدون أنفسهم أقرب رغم الخلاف، أكثر تفهماً وإن تباينت الرؤى. فكم من خلاف انتهى بمصافحة حارة لأن الحوار كان مفعماً بالنية الحسنة، وكم من جدال هدأ حين شعر أحد الطرفين أن الآخر يستمع حقاً لا مجاملة. الحوار الحقيقي ليس ساحة حرب، بل مرآة يرى فيها كل منا صورته في الآخر، ويكتشف أن خلف كل كلمة هناك روح تشبهه في الألم والفرح، في الأمل والخوف، في الرغبة في أن يكون مفهوماً ومسموعاً.

 

ما أجمل أن يتحول الحوار إلى نزهة هادئة بين الأفكار والمشاعر، نخطو فيها برفق، لا نسارع الخطى خوفاً من ضياع الفكرة، ولا نركض بحثاً عن إجابة، بل نترك للكلمات حقها في النمو، وللصمت مكانه في التأمل. لا عيب في أن نصمت حين لا نجد الكلمات، فالصمت أحياناً أبلغ من الحديث، خاصة حين يكون مصحوباً بنظرة تحمل كل ذلك الحب المكنون الذي تعجز العبارات عن وصفه. والحوار حين ينبع من القلب يصل إلى القلب، وحين يغلفه اللطف يصبح كالماء يسري في العروق بهدوء، يغسل الأحقاد ويطفئ نار الجدال، ويترك بعده أثرًا من الطمأنينة والرضا.

 

في عالم يزداد فيه الضجيج وتعلو فيه الأصوات، نحتاج إلى هذا النوع من الحوارات، تلك التي تهمس ولا تصرخ، التي تلامس ولا تجرح، التي تبدأ بمحبة وتنتهي بمودة. فالحوار ليس فقط وسيلة لحل الخلافات، بل هو أيضًا سبيل لتعميق العلاقات، لتقوية الروابط الإنسانية التي كثيرًا ما تهتز أمام أول خلاف. عندما نحاور ونحن نحمل في قلوبنا نية طيبة، نصبح أقرب إلى إنسانيتنا، نلمس في الآخر جزءًا منا، ونفتح أبواب الفهم والتسامح. وبهذه الروح، يتحول الحوار إلى فن جميل يُمارس بمحبة وصبر، إلى رقصة هادئة بين كلمتين، إلى لمسة رقيقة على قلب يحتاج إلى الأمان قبل الإجابة

فليكن حوارنا دائمًا مفعماً بتلك الملامسة الرفيقة، بذلك الحب المكنون الذي لا يحتاج إلى إثبات، لأن الحقيقة الأجمل في الحوار ليست فيما نقوله، بل فيما يشعر به الآخر حين نصغي إليه بقلوبنا قبل آذاننا.

………………….

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag