
يحتفي الشعراء بنزول المطر و تبتهج النفوس بنزوله و نجد في العديد من قصائد الشعراء من يستسقي بقصيدة سائلا الله أن يجود عليهم بالمطر و السقيا للأرض لتنبعث الحياة في كل نفس و يزهو كل غرس..
عند رصد الإبداع بصورة الابتهال لنزول المطر في الشعر الشعبي الإماراتي وتألق الأشعار بصورة المطر و كأنها لوحة يتم تخليدها و تعزيزها لدى القارئ وإظهار قوة الإبداع في أبيات تصف الغيث في سياق إبداعي متكامل على الرغم من اختلاف أغراض القصيدة ذاتها كأن يعرج على المطر رمز الإلهام ليضيف منظرا بديعا أو يهدف لأمر معين يناسبه التطرق لآية بديعة فيها سقيا لانبعاث الحياة في الأرض كافة ، يظل معنى المطر و هيئته تتسم بالحبكة الابداعية و هي ما تميّز شاعر عن غيره من الشعراء كما يتميز الإبداع الشعري المتواتر المكتمل في معناه و موضوعه و التناسق اللفظي و المعنوي ، و نجد في قصيدة (بينونه) ، الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان -طيب الله ثراه_هذا الابداع الشعري و الإلهام الحي الذي يظهر بلوحة شعرية و حكمة فكرية ميّزت أشعاره و هنا قصيدة للشيخ زايد و التي تجلت ابداعا و جزالة و أصالة مفردة و معنى و هي نموذج رائع في للوحة شعرية كاملة الإتساق ينهمر فيها المطر و يبدأ الإلهام ليجسد القصيدة التي تميزت بجزالة اللفظ و المعنى ،(بينونه) و مطلعها :
يعـل نـوٍ بانـت امْزونـه””يسجي الظَّفْـرَه أوْ يَرْوِيهـا
لَيْن يِزْخَـر عِشِـبْ بَيْنُونِـه””والْغِـزر تَسْقِـي سِوَاقِيهـا
هنا الاستهلال الشاعري عبر الدعاء متأملا بال(النو) و هو السحاب الكثيف الممطر أن يسقي و يغيث منطقة الظفرة حتى ترتوي وتزخر بينونه بالعشب و الخير ، و الأمطار الغزيرة تروي سواقي الماء التي تسقي النخيل و الشجر ، و يكمل القصيدة بالوصف لحالة المطر و الربيع فيقول:
والرَّمِلْ يَعْشِب أوْ يِرْعُونِـه””واْلبـدو تَزْهِـي مبانيـهـا
ويستجي مِ الغيث في سُّونه””شَـرْقْ والوِدْيـان يَيْريهـا
والجِبَـل تِدَّفّـق اِرْكـونـه””وْيَمْلِـي اْلجِيْعَـانْ يارِيهـا
و بعد هذا الغيث المنهمر نرى قوة المشهد في ارتواء الأرض و السواقي حتى يظهر عشب الرمال و الصحاري و يكثر الرعي من انتعاش الأرض بالغيث مما يزهي أماكن البدو و بيوتهم و تبدو الصورة الجمالية في اكتمال الصورة الربيعية من هطول الغيث والأرض الخضراء المرتوية و عودة الحياة في العشب و في كل من يحيا على هذه الأرض و هنا نجد الوفاء للوطن و المكان (بينونة) و يسترسل المعنى في هطول المطر في ذلك الوقت حتى تجري الوديان شرقا و تتدفق سفوح الجبال من غزارة المطر وتمتلي قاع الأرض (الجيعان) بالمطر الجاري و ترتوي الجبال و الأرض.
و أيضا في قوله
يعل المطر هملوله يسقي حذاه مديم
يأخذ غديره حوله وين اللزيم مقيم
يدعي بأن صبيب الغيث يسقي دار أحبابه دائما و يروي غدرانهم و هنا نرى أن المطر يرافق الشوق و يلزم الحنين و يعانق البهجة و يداوي الحزن فيروي القلوب و الشعوب و ينعش البشر و الحجر و الشجر و الدواب ففيه حياة و انقطاعة حرمان و جدب و ما أن ينقطع المطر حتى يلهج الناس بالدعاء و صلاة الاستسقاء طلبا للغيث بينما يلامس الشعراء شيء من جدب الروح المرهفة للطبيعة و الجمال و المطر فتنهمر القصائد مترجمة ذاك الشعور بالعطش فترتوي الأوراق بالقصائد و تستسقي المسامع بأعذب الألحان معلنة مصداقية البوح الشجي في طلب المطر
و الشاعر الشيخ خليفة بن سعيد ال مكتوم رحمه الله يرجو أن تهون و تسهل الرياح المصاحبة للمطر لتصفو الحياة بهطول المطر و يخضر العشب و يتباشر الأحباب بالغيث و بالحيا الذي يحيي الزرع و الكلأ و كأن البهجة و الفرحة لصيقة و ملازمة لنزول المطر فيقول
يعل المهب يهوني
و إيي عقبه مطر
و يطيح وين سكوني
و يخضر عشب البر
و يتباشر المضنوني
و يفرح بعد الكدر
وفي قصيدة الشاعر عيسى بن قطامي رحمه الله
يعل سحب تسري رعوده مدهمة وبرقه يلاعبها
رويت الأوطان من يوده والعلا والسيل خر بها
فرحة العربان وتروده و صلته كل شفيج بها
كل عود تاه عنقوده ونسمة الريف يداعبها
بابتهال عفوي يستسقى بغيث يبعث البهجة في النفوس حينما يروي الأوطان و كأنه يتكلل ابتهاجا في السماء قبل أن يلامس الثرى بتشبيه بلاغي في ملاعبة البرق للرعد بين السحاب المكفهر المليء بالمطر لتكتمل صورة هذا الاحتفال بمداعبة النود لأغصان الشجر و للعناقيد الدانية المرتوية من الغيث الذي حل صيّبا غدقا وافرا زاخرا تسيل منه الأودية والفجوج لتكتمل لوحة الطبيعة في صورة محاكاة نزول المطر بانبعاث الحياة التي خلقت فرحة طال انتظارها ووجب حلولها فابتهجت كل نفس و ربت الأرض بكل غرس بهيج.
و هنا الشاعر محمد بن رضوه يشتاق لمنطقة الوسطى فتجيش قريحته بقصيدة يقول فيها
يعل المطر يسقي البطايح
و البرق يلظي من مغيبة
صوب البرير و هو رايح
و يبطي على الوسطى صبيبه
تستاهل الوسطى مدايح
يعل ارضها تازم عشيبة
ويتم ريح الفل فايح
و الزين فيها نلتقي به
حينما يجيش الحنين في نفوس الشعراء إلى الديار فلا يملك أن تفيض القريحة بقصيدة يبتهل فيها بالمطر أن ينهمر على أرض أحبابه و أن يستمر الغيث هميلا جليلا على دارهم و يروي ديارهم حتى تفيض السيول و تعشوشب األأرض و يفوح النسيم بالفل والزهور و يطيب اللقاء بالأصحاب و الأحباب في جو بديع من الروعة و الجمال .
هكذا تستمر رحلة المطر عابقة بالجمال و الذكريات و ملازمة للشعور و المشاعر و ملهمة للكتابة و داعية للابتهال الدائم والابتهاج بالمطر و ما يصنعه من جمال محسوس و ملموس من رائحة المطر إلى تراقص الزهر و اكتمال نمو يانع الثمر و ما يجنيه البشر من نعم لا تحصى و لا تعد جراء وبل السحاب المنهمر سقينا بركة و روينا رحمة و انهل الغيث و انهمل على ديارنا لتنعش وتنتعش الحياة و تزهو القلوب ابتهاجا و تلهج الأرواح ابتهالا
………………………..