Skip links

مَمَرٌّ لا مَقَرٌّ – (الحب) – بقلم الشاعر/ أشرف عزمي .. مصر

 

“في زوايا الروح العميقة، ينبض شعور يسمّونه الحب، فهل هو أكثر من مجرد عاطفة؟”

الحب هو ذلك الشعور الذي يعبر عن عمق ارتباط الإنسان بالحياة، هو الأمل الذي يحيي القلب في أوقات الظلام، والميناء الذي يرسو فيه السفن في بحر الحياة المتلاطم.

هو شعور لا يقتصر على العلاقات بين البشر، بل يمتد ليشمل حب الإنسان لله، لنفسه، وللكون بأسره.

نغوص في عمق معنى الحب من خلال منظور ديني وفلسفي، ونفهم كيف يشكل هذا الشعور جوهر وجودنا.

في الأديان السماوية، يُعتبر الحب جوهر العبادة وأساس العلاقة بين الإنسان وخالقه.

في الإسلام، يُنظر إلى الحب على أنه من أسمى القيم التي يمكن أن يتصف بها المؤمن.

حب الله ورسوله هو أعظم حب يمكن للإنسان أن يحيا لأجله، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ” (آل عمران: 31).
هذه الآية تحمل في طياتها دعوة للمؤمنين لاتباع الطريق القويم الذي وضعه الله ورسوله، ليحققوا الحب الأبدي مع خالقهم.

ليس فقط حب الله هو ما يُحث عليه المؤمن، بل أيضًا حب الإنسان لأخيه الإنسان. في الحديث الشريف: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.”
الحديث هنا يعكس مفهوم الحب الذي يتجاوز الحدود الذاتية ليشمل الآخرين، حب لا مشروط. هو حب يدفع الإنسان للاهتمام بمصلحة الآخرين، والاعتناء بهم، ومشاركتهم الأفراح والأحزان.

كما أن مفهوم الحب في الإسلام لا يقتصر على الحب العاطفي فقط، بل يشمل حب الله، وحب النفس بطرق صحية، وحب الإنسانية.

إن حب الله يدفع المؤمن للعمل الصالح والسعي لتحسين حياته وحياة الآخرين من حوله.

في الفلسفة، يعتبر الحب أيضًا من أكثر الموضوعات التي تم مناقشتها عبر العصور.

فقد حاول الفلاسفة إيجاد تفسيرات عقلانية ووجودية لهذا الشعور المعقد والمتعدد الأبعاد. أفلاطون في “المأدبة” قدم تصورًا فريدًا عن الحب، حيث عرفه كـ “إيروس” الذي لا يُعتبر مجرد مشاعر جسدية، بل هو بحث عن الجمال والمعرفة. بالنسبة لأفلاطون، الحب هو سعي دائم وراء المُثل العليا والبحث عن “الجميل” و”الحقيقي”.

كما يراه أداة للتصعيد الروحي والعقلي نحو معرفة الذات والكون.

أما أرسطو، فيعتبر الحب عنصراً أساسياً في تحقيق “الخير الأعظم” الذي يسعى الإنسان للوصول إليه، ويبين أيضا أن الحب يُترجم إلى نوع من “الفضيلة”، أي حب الآخرين بشكل أخلاقي وصحيح، حيث لا يتحقق الإنسان إلا في علاقات مليئة بالمودة والتعاون والاحترام المتبادل.

أما جان بول سارتر، الفيلسوف الوجودي، يرى أن الحب هو بمثابة تلاقي حرية فردين، كل واحد منهما يتمتع بوجود مستقل، ولكن عند اتحادهما، يُنتج الحب.

يعتقد سارتر أن الحب يتطلب الاعتراف بالآخر ككائن حر، والقدرة على تفعيل ذلك التبادل والاحترام المتبادل بين الطرفين.

ومما سبق نجد أن الحب ليس مجرد عاطفة، بل هو قوة متوازنة تربط الإنسان بالعالم من حوله، وتخلق توافقًا داخليًا بين الروح والعقل.

في حين أن الدين يربط الحب بالله ويُقدسه كأداة لعبور الإنسان إلى السعادة الأبدية، ترى الفلسفة أن الحب هو أيضًا سعي مستمر نحو الكمال الإنساني وتحقيق الذات.

الحب في الدين يشكل محركًا للإنسان نحو التقوى، بينما في الفلسفة يُعتبر الحب التزامًا فكريًا يوجه الإنسان للبحث عن الحقيقة وعيش حياة مليئة بالمعنى.

بهذا الشكل، يُمكننا القول إن الحب في الديانات والفلسفات لا يقتصر على شعور عابر، بل هو حالة دائمة تتطلب وعيًا داخليًا وفهمًا أعمق لذواتنا ووجودنا في هذا العالم.

في حياتنا اليومية، نجد أن الحب ليس فقط بين العشاق، بل هو موجود في جميع العلاقات الإنسانية: بين الأهل، الأصدقاء، وحتى الأعداء الذين قد يتحولون إلى أصدقاء.

هناك نوع من الحب الذي يدفع الإنسان إلى الرحمة، إلى التسامح، إلى محاولة فهم الآخر والتعايش معه بسلام.

كما يرى إيمانويل كانط أن الحب هو أساس الأخلاق، وأن الإنسان يجب أن يحب الآخرين بما يتوافق مع كرامتهم الإنسانية.

الحب هو بوصلة الحياة، هو الفكرة التي تربط الروح بالجسد، الدين بالعقل، والمفاهيم الفلسفية بالحقيقة المطلقة.

في كل زاوية من زوايا الوجود، يُمكننا أن نجد حبًا يشع، يُنير دروبنا في رحلة الحياة.

سواء كنا نبحث عن الحب الروحي من خلال التقرب إلى الله، أو نعيش الحب الوجودي من خلال فهم الذات والآخرين؛ فالحب هو أساس الخير، والنور، والسلام الداخلي.

فالحب ليس نهاية الرحلة، بل هو الطريق الذي نمضي فيه نحو إنسانيتنا.

ومن كل ما سبق

لابد أن نتذكر دائما أنها مَمَرٌّ لا مَقَرٌّ

 

إلى الجمعة القادمة

…………………………

👁️ عدد المشاهدات: 146

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag