Skip links

(مؤتمر الكرمة بالقاهرة) – انتصار للشعر على حساب الشكل .. أشرف عزمي

قبل أن تُفتح أبواب القاعة في 13 ديسمبر، يبدو مؤتمر الكرمة جاء في توقيتٍ يكاد يكون ضرورة.
فالقصيدة العربية بكل أشكالها، من العمودية إلى التفعيلة إلى النثر دخلت زمنًا صار فيه الشكل أكثر حضورًا من الجوهر، وكأن الشعر يُمتحن في وزنه قبل أن يُمتحن في روحه.

لكن مؤتمر الكرمة لا يبحث عن “شكل جديد” أو “قالب أفضل”، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يؤكد على إعادة الاعتبار للشعر نفسه، للنبضة الأولى، للتجربة قبل هندستها، وللروح قبل وزنها.

عنوان المؤتمر الرسمي (تعدد أشكال القصيدة العربية المعاصرة) لكنني أشعر أن العنوان الحقيقي هو ما يشعر به كل شاعر يدخل القاعة، بأن الشعر ينتصر حين يسبق الشكل… وأن الشكل يسقط حين ينسى الشعر.

فالقصيدة ليست خصومة بين قوالب، بل بحث طويل عن طريقة للإنصات إلى الداخل.

فالقصيدة العمودية تدخل المؤتمر كجذر ضارب في الأرض، تحمل معها حنين الإيقاع الأول، ووقار العربية حين كانت تتنفس بحرًا بعد بحر، فهي لم تكن مجرد التزام بحور، بل محاولة لترتيب الفوضى الأولى.

وقصيدة التفعيلة ستأتي كجسر، كأنها طفل منتصف الطريق، لا تريد أن تفقد موسيقى الأجداد، ولا أن تتخلى عن حرية الابن الذي رأى العالم يتغير أمام عينيه، فهي لم تكن خروجًا، بل رغبة في تنفس أوسع.

أما قصيدة النثر…
فهي الابنة التي خرجت من البيت دون أن تستأذن أحدًا، ثم عادت تحمل معها لغات جديدة، ورؤى أبعد، وتوترًا يشبه توتر العصر نفسه، فقصيدة النثر ليست تمردًا، بل استجابة لطبيعة العصر وقلقه وروحه الجديدة.

وحين أصبح الشكل معيارًا للحكم، كادت القصيدة تتحول إلى جسد بلا قلب.
ويأتي مؤتمر الكرمة ليعيد ترتيب الأولويات (الشعر أولًا… وبعده تأتي الأشكال جميعًا)

الشاعر محمود حسن – رئيس مؤسسة الكرمة ورئيس المؤتمر وايضا تجده حافظا لذاكرة الشعر الحية فهو ليس منظِم فحسب، بل حارس لروح القصيدة.

عرف أن الشعر لا يعيش في الدواوين فقط، بل في المجتمع، وفي العلاقات، وفي التفاصيل الصغيرة التي تصنع الوعي.
خبرته الطويلة بين العمل الثقافي، والواقع الاجتماعي، والكتابة الإبداعية، تجعله شخصية قادرة على جمع المتناقضات تحت سقف واحد:
الإدارة مع الحس، الرؤية مع الخبرة، والشكل مع الجوهر.

هو شاعر يعرف أن القصيدة قبل أن تكون وزنًا أو نثرًا، هي نبضة، وبهذا الوعي يقود مؤتمرًا لا يريد أن يفرض شكلًا،
بل يريد أن يمنح الشعراء فرصة أن يروا أنفسهم خارج التصنيفات الضيقة.

في القاهرة، المدينة التي تعرف كيف تحفظ القصائد في حجارتها، تتهيأ لاستقبال الأصوات المتعددة دون أن ترجح كفة على أخرى، مدينة تعطي كل شكل لغته الخاصة، لكنها تنحاز في النهاية إلى ما هو أبقى، فالقاهرة تعرف كيف تفتح الباب للمختلفين دون أن تفقد وقارها، مدينة تتحرك على إيقاع خاص، نصفه تراث، ونصفه سؤال لا يزال يبحث عمن يجيب عليه، ففي القاهرة، ستحاول القصيدة العربية أن تُعيد تعريف نفسها قبل أن تبدأ عامًا جديدًا من المغامرة والجدل والبحث.

وحين نقول إن المؤتمر (انتصار للشعر على حساب الشكل)، فنحن نتحدث عن تحريرٍ لا عن خصومة.
تحرير القصيدة من سلطة القالب، ومن تلك النظرة التي تختزل الشعر في موسيقى خارجية أو في بنية لغوية صارمة.

الشعر ينتصر لأنه يعود إلى أصله، إلى التجربة التي تسبق الكتابة، إلى الصوت الداخلي قبل أن يلمسه الوزن، وإلى المعنى قبل أن يرتدي قافيته.

والمؤتمر يطرح أسئلة وحوارات حول

  • قيمة الشعر أمام شكل الشعر
  • حرية الشاعر أمام قوانين التقعيد
  • علاقة القصيدة بزمنها
  • وكيف يمكن للشكل أن يتطور دون أن يفقد الحس الأول

كل هذا سيحدث تحت سقف واحد، وفي حضرة أصوات لا تبحث عن أفضلية، بل عن معنى.

حيث يؤكد المؤتمر على أن الشعر هو الذي يبقى، فحين تنتهي فعاليات المؤتمر وتطفأ الأضواء، لن تبقى في الذاكرة القوالب،
بل تلك اللحظة التي شعر فيها الحاضرون أن القصيدة تقترب من روحهم.

وذلك هو الانتصار الحقيقي، أن يخرج الشعر حرًا من قيد الشكل، وصافيًا من صخب الجدل، ومخلصًا لطبيعته الأولى، أن يكون ممرًا للروح… لا قالبًا للّغة.

…………………..

👁️ عدد المشاهدات: 168

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag