
كانت هذه المختارات تجربة جديدة بالنسبة إلي عندما طلب مني الشاعر عبد الرزاق الربيعي أن اختار من أعماله الشعرية مجموعة من القصائد فرحت بهذا التكليف لأن عبد الرزاق الربيعي من جيل أحدث تغييرات في القصيدة العراقية، ومن أهم هذه التغييرات هو توسيع المجال للقصيدة اليومية أن تاخذ حيزها صحبة عدنان الصائغ وجواد الحطاب وآخرين.
لم أكن قد قرأت مما كتب الربيعي بعد خروجه من العراق في بداية التسعينات إلا القليل ، لأنه لم ينشر كتبه في العراق ، وكان مما علق في ذاكرتي هو كتبه الأولى ومنها “حدادا على ما تبقى” وهو نادر النشر على حساباته على وسائل التواصل الإجتماعي، لذلك كانت أكبر حصة مما كان مادة للمختارات هو الاعمال الشعرية الصادرة عن المؤسسة العربية الدراسات والنشر ودار سطور.
لا ادري لم اختارني الربيعي لمهمة هذه المختارات ، وربما كان هذا بسبب ثقته بذائقتي ، وكانت شجاعة منه أن يختار شاعراً من جيل أتى بعد جيله ، مختلف في فهمه للشعر. لا أخفي القارىء أني وجدت صعوبة في هذه المختارات . وأهمها أن المختارات ستكون من وجهة شاعر صارم في تعامله مع اللغة وإيقاعها وصوتها، الربيعي قليل الاهتمام بالقصيدة بعد خروجها من الفرن ، فهو يلقي العبء عنه غير مكترث بها ، أما أنا فتظل القصيدة وقتاً أعالج بنيتها وتراكيبها وأصواتها ومواقع كلماتها في الشطر الواحد، أما الربيعي فيلقي قصيدته تاركاً لبراءة كتابتها أن تظل وسماً واضحاً عليها.
ولا أخفي القارىء أنني أوليت اهتماماً خاصاً لقصائد النثر ، لأني كشاعر كرس جهده للكتابة ضمن الموزون ، أردت أن أكون منصفاً مع قصيدة النثر لديه ولا أكون منحازاً لقصائده الموزونة. والحق أقول إنني وجدت الكثير من الإشتغالات العالية في قصيدة النثر لدى الربيعي، ما أعجبني في تجربة عبد الرزاق الربيعي هو الرؤى الخاصة به ، الرؤى الجديدة على الشعرية العربية، وما أعجبني في شعره هو دواوينه الأولى والأخيرة ، و ما أثار اعجابي هو سعيه للتأمل الميتافيزقي في عالمنا وعالم ما بعد الموت، لكن عالم ما بعد الموت لدى الربيعي ليس عالما متخيلاً ، وهذه سمة ميزت إشتغاله الفريد ، بل هو تخطاه إلى أن يعيش عالمنا وعالم ما بعد الموت بذات الشدة والمعرفة والصدق، وإن هذه لعمري أحدى أهم إنجازات الربيعي، وإحدى أشد النقاط إضاءة في شعرنا الحديث.
وفي النهاية ربما تكون هذه التجربة ، مختارات شاعر صارم ، شيئا يعكس مزاجاً مختلفاً عن مزاج عبد الرزاق الربيعي ، فتهيئة مجموعة قصائد من منجز غزير، قد يتواءم مع مزاج الإنسان المعاصر الميال إلى الإختزال والسرعة.
…………………
👁️ عدد المشاهدات: 18