Skip links

(أنثى تُضيء العتمة… وتسكن وجدان البادية) – عرض لكتاب (المرأة في البادية) لأحلام أبو نوارة – أشرف عزمي

في ضجيج المدن وطبول زحام تسابق دقات القلب، يخرج كتاب (المرأة في البادية) لأحلام أبو نوارة كأنه محاولة هادئة لاسترجاع نبضٍ قديم.

نبض امرأةٍ كانت دائمًا هناك، تحت شمس لا تُهادن، وسماء تُعلم الصبر أكثر مما تُعلم المطر.

الكتاب، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2025، لا يقدم مجرد دراسة اجتماعية، بل يكشف طبقات من حياة المرأة البدوية، تلك التي تُشبِه في حضورها نخلةً تشق الرمل لتقف، بلا ضجيج، عمودًا لهذا العالم.

منذ الصفحات الأولى، تنحاز الكاتبة لصوتٍ نادرًا ما يُسمع: صوت المرأة التي تربت على الحكم والأمثال أكثر مما تربت على الكتب، والتي اكتسبت ملامحها من الصحراء نفسها: صبر الجِمال، صلابة الصخور، صفاء الليل حين يصفو كل شيء إلا القلب.

الكتاب يبدأ برحلة تاريخية واسعة، تمتد من حضارة الفراعنة حتى حضارات الهند والصين وبابل واليونان والرومان، ليضع المرأة في سياقها الإنساني قبل أن يضعها في خيمتها.

رحلةٌ تشبه مرآة طويلة يرى القارئ فيها كيف ظلت المرأة عبر الزمن تتأرجح بين التقديس والتهميش، بين (أم الحضارة) و(أسيرة العادة).

ثم يعود النص إلى مصر، إلى البادية التي لا يعرف سرها إلا من وقف يومًا على أطرافها، يسمع الحكمة وهي تُقال كأنها طلقة نور:
(أهلك لا تهلك»، (البير اللي تشرب منها ما ترمي فيها حصى)
هنا يتبدى سر المرأة البدوية: هي مدرسة بلا أبواب، تربي بالصمت أكثر مما تربي بالكلام.

وبعين الباحثة وابنة المكان، تتتبع الكاتبة أدوار المرأة الاجتماعية والاقتصادية، وطقوس الزواج، ومشاركتها في الحرف، وفي السياحة، وحتى في السياسة بصمتٍ يشبه الندى الذي لا يُرى لكنه يُغير وجه الصباح.

ما يميز الكتاب أنه لا يتحدث عن المرأة من بعيد، بل يقترب منها كما يقترب البدوي من النار ليلًا: بحرص، باحترام، وباعترافٍ بأن وجودها هو الاستقرار الوحيد الممكن في حياةٍ تقوم أصلًا على الرحيل.

وفي خلفية كل فصل، يطل سؤال فلسفي عميق:
هل تحافظ البادية على المرأة… أم المرأة هي التي تحافظ على البادية؟
سؤال لا يجيب عنه الكتاب صراحة، لكنه يتركه معلقًا مثل نجمةٍ فوق خيمة… كلٌّ يفسره حسب رحلته.

في النهاية، «المرأة في البادية» ليس مجرد كتاب، بل وثيقة حب… حب لنساءٍ حملن الصحراء في عروقهن، وحملن معها معنى الصلابة والرِقة في آنٍ واحد.
كتاب يذكر القارئ، من بعيد، أن ما تبنيه المدن بالصاج والإسمنت… تبنيه النساء في البادية بالكلمة والوفاء والقدرة على احتمال ما لا يُحتمل.

 ………………..

👁️ عدد المشاهدات: 254

Leave a comment

en_USEnglish
Explore
Drag