
بعد الخمسين..
أمتلئ بمشاعر..
وأحاسيس جديدة..
تخرجني دائماً..
عن وقاري، وجديتي؛
فالحياة تبدو الأن..
أكثر بهجة، واتساعًا، ورومانسية،
لابد أن أهرب..
من زنزانة حياتي الحالية،
التي دب فيها الفتور، والملل،
وأصابها الجفاف، والتصحر.
بعد الخمسين..
تحتاج إلى نظارة طبية،
ترى بها الأشياء بوضوح أكثر
تحتاج إلى سماعة أذن،
تسمع صوتك الداخلي،
وضجيج الآخرين، وصراخهم
تحتاج إلى عكازًا خشبيّ..
كي تصل إلى عيادة التأمين الصحي،
فـي مقاعد كبار السن،
وذوي الاحتياجات الخاصة،
تحتاج «الحبة الزرقاء»..
حتى تستعيد رجولتك.
بعد الخمسين..
تحتاج.. إلى أكثر من حذاء رياضي،
يخفف حدة خشونة الركبة،
وإنقاص وزنك،
كي يمكنك أن تلحق ـــ برشاقةٍ ـــ
بآخر قطار للضواحي
وتعديل نظامك الغذائي..
والتركيز على الأكل الصحى،
وتجاهل الروائح التي تنبعث،
من عربات الفول، والكبدة، والمخ..
والتي تطاردك دومًا،
حتى فـي أحلامك.
بعد الخمسين..
تحتاج إلى حقيبة جلدية..
تضع فيها أشياءك الضرورية..
مثل علاجك الشهري،
كمامتك الزرقاء،
شاحن تليفونك،
دفتر التأمين الصحي،
دفتر توفير البريد المصري،
مفاتيح غرفتك، وأدراج مكتبك،
وجواز سفرك المنتهي.
بعد الخمسين..
تحتاج أن تبتسم كثيرًا،
حتى لا يغزو وجهك،
لبلاب التجاعيد،
وأن تقلل من أسباب،
اكتئابك، وتوترك،
وارتفاع ضغط الدم،
مبتعدًا دومًا، عن كل ما يعكر مزاجك،
وسلامك النفسي.
بعد الخمسين..
عندما تضعف ذاكرتك،
وتنسى كثيـرًا،
تحتاج أن تحمل أجندة صغيرة،
فـي جيبك الداخلي،
تسجل فيها أسماء..
أولادك، وأحفادك،
وعناوين، وتليفونات..
الأطباء، والزملاء، والأصدقاء،
تدون فيها نصوصك التي تلح دومًا،
فـي أوقات غريبة،
قبل أن تهرب وتختفي
وتدون أخطاءك الصغيرة..
وأحلامك الكبيرة .
بعـد أن..
بلغت الخمسين..
تحتاج أن تنام مبكرًا قبل التاسعة،
وأن تفكر فـي صبغ شعرك،
وتغيير مفصل الركبة،
وأن تشتري حزامًا قطنيًّا،
لشد فقرات الظهر،
وعطرًا مثيـرًا،
تصطاد به..
الفراشات الملونة.
بعد الخمسين..
يجب أن تتخلص..
من إدمانك القهوة، والسهر،
والحلويات الشرقية،
يجب أن تفكر بجدية،
فـي أداء مناسك الحج، أو العمرة،
كي تمحو ما اقترفته..
من أخطاء ونزوات، وكبائر،
وأن ترتاد المساجد، والقبور، والأضرحة،
تقربًا من أهل البيت،
وأن تشتهي أحلامًا جديدة،
وبعثًا مختلفًا،
بعد الخمسين..
لابد أن تلعب مع أحفادك،
أكثر مما يجب،
كي تنقش فـي ذاكرتهم الطفولية،
جَدًّا طيبًا، وحنونًا،
ولا تنس أن تصالح..
من خاصمتهم دهورًا،
وتصفح عن كل من خذلوك،
بود شديد.
كي تحلق روحك..
نحو أفق أرحب، وجديد.
بعد الخمسين..
يجب أن تتخلص..
من نزوات جسدك الشهواني،
ولابد أن تفكر..
فـي أداء طقوس، ومناسك جديدة،
وأن تبتعد قليلاً
عن أشيائك المفضلة،
كي تراها بوضوح أكثر،
فلا تندهش بطفولية
ولابد أن تتعود..
أن تضع كاميـرا روحك،
فـي أماكن جديدة،
كي تعمل «Zoom In»،
على تفاصيل إنسانية..
أكثر دهشة مما تظن!
بعد الخمسين..
تحتاج..
أن تتعلم أشياء جديدة..
كقيادة «توكتوك»..
على طريق سريع
أو حشو أوراق العنب..
ولفها كطاهٍ محترف،
أو تكفين الموتى..
والوقوف على غُسل من تحبهم.
بعد الخمسين..
يجب أن تغير وبانتظام..
مقاس نظارتك الطبية،
كي تختفي الشبورة الصباحية،
كما تحتاج إلى مزيد من الإصرار،
على أن تبتلع «الحبة الزرقاء» سرًا،
كي تثبت رجولتك،
كل ليلة «جمعة».
بعـد أن..
تجاوزت الخمسين..
تقترب، شيئًا؛ فشيئًا.. من الستين.
تقترب، شيئًا؛ فشيئًا؛ فشيئًا..
من المـــوت.
……………………..
👁️ عدد المشاهدات: 38