Skip links

مَمَرٌّ لا مَقَرٌّ – (الغرور والكبرياء) – بقلم الشاعر/ أشرف عزمي .. مصر

يا من تتكبر وتغرك مباهج الحياة، ألا تعلم أن الله أكبر

الغرور هو شعور زائف بالقوة، والاعتقاد أن ما تملكه اليوم من مال أو جاه أو منصب أو حتى جمال هو شيء ثابت لا يتغير.

هذا الشعور يولد لدينا تصورًا خاطئًا بأن الحياة ستكون خاضعة لرغباتنا إلى الأبد، وكأن ما بين أيدينا لا يُنزع.

لكن، الحقيقة أن الدنيا ممر عابر، والغرور ما هو إلا وهم ثقيل على القلب، يزيد صاحبه عُزلة وبُعدًا عن الناس، وخسارة في نظر الله.

قال الله تعالى في سورة الإسراء: “ولا تمشِ في الأرض مرحًا. إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولًا” (الإسراء:37).

هذه الآية تذكّرنا بأن الكبرياء ليس إلا عبئًا، يبعدنا عن الحقيقة ويُحجّم روابطنا مع الآخرين. فالغرور يُعيقنا عن رؤية أنفسنا على حقيقتها ويجعلنا نتجاهل أننا في ممر ضيق، نمر فيه جميعًا بنفس الخطوات ونفس النهاية.

الغرور والكبرياء وجهان لعملة واحدة فهما اللتان تمنحان صاحبها إحساسًا زائفًا بأنه منفصل عن الآخرين.

في الواقع، هذان الشعوران يبنيان حواجز بين الإنسان وواقعه.

فمن يظن أن الدنيا ملكه، ويعيش في دائرة الاستعلاء، ينسى أن كل شيء زائل وأن الخير والشر ليسا بيدينا.

في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر” (رواه مسلم)، نجد دعوة صريحة للابتعاد عن الكبرياء، لأنه يُبعدنا عن محبة الله، ويجعلنا نعيش في وهم السيطرة، ونحن في الواقع لا نملك سوى خطواتنا في هذا الممر القصير.

والفلسفة تدرك تمامًا أن الكبرياء ما هو إلا غطاء يحجب عن الإنسان الرؤية الصحيحة لنفسه.

يقول الفيلسوف اليوناني سقراط: “من يغتر بنفسه سيبتعد عن الحقيقة”. بينما يشير فريدريك نيتشه إلى أن الغرور هو محاولة لإخفاء الفراغ الداخلي، مما يعكس في النهاية جهل الإنسان بحقيقته.

أما الإسلام فقد قدم رؤية واضحة ومباشرة في هذا المجال، حيث يقول الله تعالى: “ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحًا، إن الله لا يحب كل مختال فخور ” (لقمان:18.)

 القرآن يوضح لنا أن الكبرياء لا يجلب إلا البُعد عن الله، ويُعمي القلب عن الحقيقة.

الغرور لا يشوه الإنسان أمام الناس فقط، بل هو إخفاء لحقيقة النفس وهشاشتها.

يُحاول المغرور أن يظهر بمظهر القوي الواثق، ولكنه في داخله يشعر بالضعف والخوف من النقص.

الغرور يقطع الإنسان عن التواصل الحقيقي مع نفسه ومع من حوله. نجد أن المغرورين يميلون إلى الحديث عن أنفسهم بشكل مفرط، ويضخمون منجزاتهم، ويقللون من قيمة الآخرين.

هذه المظاهر تسلبهم صدق العلاقة مع الآخرين، وتجعلهم يشعرون دائمًا بالفراغ الداخلي.

بينما يُعد الغرور هشًا، فإن التواضع هو القوة الحقيقية التي تمنح الإنسان سكينة القلب.

عندما نتواضع، نرى أنفسنا على حقيقتها، نقر بنقصنا ونقبل حدودنا. التواضع لا يعني الضعف، بل هو القوة في الاعتراف بما لدينا وبالاعتراف بما ينقصنا.

في التواضع يكمن الشجاعة الحقيقية.

وقال النبي ﷺ: “من تواضع لله رفعه ” (رواه مسلم. )

 التواضع يرفعك في نظر الله وفي نظر الناس، بينما الكبرياء يركنك إلى الوحدة والعزلة، مهما كانت المظاهر والاحتفالات حولك.

في النهاية، الحياة ممرٌ عابر، ولا مكان للغرور في هذا الممر. نهاية الممر هي نفسها للجميع.

ما بين يديك اليوم من مال أو منصب، لن يصاحبك إلى المقر الأخير. سيظل أثر طيبك، ابتسامتك، تواضعك هو ما يبقى بعدك، بينما ما تظن أنه زينة الدنيا سيذهب ويتلاشى.

لن يتذكرك الناس بقدر ما تملكه، بل بقدر ما زرعته في قلوبهم من حب، وإحسان، وتواضع.

والسؤال هنا

هل أنت في سلام مع نفسك أم أسير لصورة تحاول الحفاظ عليها أمام الناس؟

اللهم ارزقنا تواضعًا طيبًا، وأبعد عن قلوبنا الكبرياء والغرور. دعونا نعيش بسلام مع أنفسنا ومع الآخرين، نزرع أثرًا طيبًا في هذا الممر المؤقت، حتى إذا وصلنا إلى المقر، نجد أننا قد تركنا نورًا خلفنا.

ولتذكر دائمًا: إنها مَمَرٌّ لا مَقَرٌّ.

إلى الجمعة القادمة

أشرف عزمي

………………..

👁️ عدد المشاهدات: 122

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag