Skip links

كتاب نقدي يلتقط أنفاس الجداريات الشعرية – السعيد المصري يحصد جائزة أحمد فؤاد نجم فرع الدراسات النقدية عن كتابه (جماليات السرد الشعري وتفاصيلة في جداريات سعيد شحاتة) ويُدخل النقد منطقة الروح .. أشرف عزمي

في لحظة بدت كأنها امتداد طبيعي لرحلة طويلة بين الشعر وظلاله، أعلنت لجنة تحكيم جائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية – فرع الدراسات النقدية

فوز كتاب (جماليات السرد الشعري وتفاصيله في جداريات سعيد شحاتة الشعرية) لشاعر الأمس وناقد الغد/ السعيد المصري

هذه الفوز لا يُسجل بوصفه تكريمًا لكتاب فقط، بل بوصفه اعترافًا بأن النقد حين يخلص للقصيدة يتحول هو الآخر إلى جدارية موازية، تنبض وتتنفس وتضيء.

الكتاب الفائز لا يقف عند حدود التحليل الأكاديمي، ولا يكتفي بقراءة بنية النص، بل يدخل أعماق التجربة الشعرية لسعيد شحاتة كمن يدخل مدينة قديمة لا تُرى كاملًا إلا بالتجول في شوارعها.
السعيد المصري لم يقرأ (الجداريات) كقصائد منشورة، بل كعالمٍ يملك لغته الخاصة، إيقاعه، ظلاله، وطقوسه الداخلية.
فكانت دراسته محاولة لاكتشاف كيف يمكن للقصيدة أن تكتب نفسها سرديًا دون أن تفقد روحها الشعرية، وكيف يمكن للغة أن تتحول إلى مشهد، والمشهد إلى رؤية، والرؤية إلى أثر يتجاوز حدود الصفحة.

هذا الكتاب يذهب إلى أبعد من وصف الأسلوب أو تفكيك التقنيات.
إنه ينقب عن القلب الخفي للكتابة، عن تلك المنطقة التي يتشابك فيها الشعر مع الحكاية، والحكاية مع الذاكرة، والذاكرة مع الإنسان الذي يقف أمام القصيدة كمن يقف أمام مرآة ستكشف ما لا يريد أن يراه.

وربما كان ذلك ما منح الكتاب قيمته الحقيقية، فهو لم يقرأ سعيد شحاتة كصوت، بل كمصير لغوي.
ولم يتعامل مع القصيدة كجسد، بل كرحلة تتنقل بين الضوء والعتمة بوعي صامت وحساسية عالية.

تمنح جائزة أحمد فؤاد نجم لسعيد المصري تقديرًا لجهده ودأبه في كتابة أول خطواته النقدية، لكنها تمنح في الوقت نفسه للشعر العامي اعترافًا جديدًا، أن هذا الشعر بكل ما فيه من صدق ورجفة ووجع يستحق قراءة دقيقة، ومقاربة عميقة، ونافذة نقدية تليق بروحه.
فالكتاب لا يُعيد قراءة شاعر واحد، بل يُعيد طرح سؤال أكبر ألا وهو كيف نقرأ الشعر؟ وكيف ننصت إلى ما يقوله النص حين يتكلم بلغة بين السرد والقصيدة، بين التاريخ والأنفاس، بين الأرض والخيال؟

وقد جاء تقرير لجنة تحكيم الدراسات النقدية كالتالي:

” تشكل الدراسات النقدية فرعاً من فروع العلوم الإنسانية التي تحمل على عاتقها الكشف عن جماليات النص الشعري، وهي جناح الإبداع الذي يحمل البيان الذي لاغنى للمتلقي، متلقيه من مبدعات نقدية تشف بها عن سياقات الأسلوبية والجمالية، من هذا المنطلق تأتي الدراسات النقدية مصاحبة ومتفاعلة مع الشعر العامي، دعماً للحالة الإبداعية والنقدية، وانطلاقاً من أهمية هذه الدراسات، وحرصاً من مجلس أمناء المؤسسة على تفعيل دوره الثقافي، وحرصاً من إدارة الجائزة على الدور الثقافي الهادف، فقد اجتمعت لجنة تحكيم الدراسات النقدية لاختيار العمل الفائز للدورة العاشرة ۲۰۲۳م، ليس فقط نقداً معرضاً لما قدمته من الدراسات المعروضة، بل دعماً لما قدمته من إضافة نوعية وأرقاماً لهذا الفن للأطياف المختلفة للجمعية. فهذه الدراسات مقدمةً خطاباً نقدياً متميزاً، حيث قدم بعض الأعمال المهمة عن النقد، بلغة المعبر عن أهدافها.

تم فحص الأعمال المقدمة وفق المعايير التي تتصل بوضوح المفهوم، والرؤية والتناول الموضوعي. قد وقع اختيار اللجنة على كتاب: جماليات السرد الشعري في جداريات سعيد شحاتة الشعرية، للناقد السعيد المصري، وذلك لما تنحاز به الدراسة من اتساق في الأطراف النقدية العامة التي استقته على نصوص سعيد شحاتة، إذ لامس الباحث السعيد المصري نجم في دراساته التحليلية جماليات السرد الشعري. يقتضي الحكم لهذا الكتاب:

١- قدم السعيد المصري مقاربة جادة في النقد التطبيقي، تميزت بروح الناقد المبدع الذي يستمد أفكاره النقدية من انعكاس من النص الشعري موضوع دراسته، من لغة خاصة، أفكاراً، هي يسير بدون تعقد، وإضاءة السمع التي تجاوز الذات الشعرية.

٢- امتازت القدرة النقدية في اختار مدخل أكثر مرادة من قراءة نصوص شعر العامية، حيث درس السعيد المصري في فصول كتابه: حبيلة الصور والتعدد الابداعي، كما درس السيميائي، هي ما لاتن المحل والموصل لجرية. كما درس السعيد المصري في المشهد الأخير بالدراسة الفنية المعالجة للشعر العامية، وهي من الموضوعات الهامة التي توقف عندها الباحث في رؤية متعمقة لمعالجات الشعر المتصلة بالثورة.

٣- لم ينشغل السعيد المصري برصد المصطلحات النقدية التي تثقل النص النقدي أحياناً، معطلة تلقية، لكنه كشف عن مهارة توظيف هذة المصطلحات التي يستدعيها النص الشعري، فضلاً عن مهارة إقامة نسيج من العلاقات بين المصطلحات النقدية المستخدمة وبين ما تمارسته النقدية مستبينا بخبرة الشعرية، بوصف واحداً من السالكين طريقة العارفين بدروبه.

أخيراً تعرب لجنة التحكيم عن امتنانها العميق لهذا الدور الذي تقوم به المؤسسات في تشجيع شعر العامية ونقاده. كما تشكر اللجنة مجلس أمناء الجائزة وكل القائمين عليها لما قاموا به من جهد للوصول لهذه اللحظة التي ستتوج فيها الفائز بالجائزة”.

أعضاء لجنة تحكيم الدراسات النقدية
أ.د. فاطمة الصعيدي
أ.د. أحمد الصغير
أ.د. سيد ضيف الله

وبعد هذا التقرير التفصيلي، بدا واضحًا أن الجائزة لم تذهب إلى دراسة نقدية تقليدية، بل إلى عمل استطاع أن يعيد تعريف العلاقة بين النقد والقصيدة، وأن يجعل من القراءة فعلًا يكشف ما بين السطر وما بعده، وما لا يُرى إلا بالقلب.

إن فوز السعيد المصري ليس تكريمًا لكتاب فقط، بل تكريمًا لنوع من القراءة يحفظ للشعر العامي روحه، ويضعه في مكانه الطبيعي:
بين الناس… وبين الحياة… وفي قلب اللغة التي لا تزال تبحث عن نفسها كلما كُتبت قصيدة جديدة.

……………………..

👁️ عدد المشاهدات: 265

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag