Skip links

(المجتمع يخدع المرأة بتحسين شروط عبوديتها، ويسمى ذلك حرية) – حوار مع الأديبة اللبنانية/ حنين الصايغ .. حول روايتها ( ميثاق النساء ) المرشحة للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية ( البوكر ) – أجراه الشاعر الإعلامي/ أشرف عزمي

( رحلة البطلة أمل في سعيها للتحرر من قيود التقاليد والسلطة الأبوية في وسط المجتمع الدرزي في احدى قرى لبنان تقبل أمل الزواج في سن الخامسة عشر لمجرد أنه يمنحها الفرصة لتكمل تعليمها كأول صفقة تعقدها مع زوجها )

كانت تلك الأسطر كافية للفت انتباهي وأنا في المسرح المخصص للمؤتمر الصحفي للجائزة العالمية للرواية العربية ( البوكر ) بمكتبة الأسكندرية بجمهورية مصر العربية لاختيار القائمة القصيرة للجائزة وهم 6 أعمال رؤائية والتي كان من بينها رواية ( ميثاق النساء ) للروائية اللبنانية/ حنين الصايغ وقد جائت تلك الأسطر على لسان المترجم الفنلندي/ وسامبسا بلتونن .. ولأنني أنتصر للحقوق المشروعة للنساء وأمقت التقاليد القاسية المجحفة والتي لا تمت للإنسانية ولا للاديان السماوية بصلة وباضطلاعي على ما تيسر لي مما كتب عن الرواية حيث تأكد لي أن الرواية تمزج بين البوح الشخصي والتحليل الاجتماعي دون اصدار احكام قاطعة مما يمنح شخصياتها بعدا انسانيا، وانها تضع القارئ أمام عدة قضايا تخص النساء مثل الحرية المتباينة والتي ليس لها أطر واضحة، المعاناة من السلطة الذكورية على اختلاف مسمياتها.

كل هذا جعلني أسعى لإجراء هذا الحوار مع الروائية اللبنانية/ حنين الصايغ للتعمق أكثر في روايتها ( ميثاق النساء ) ولفك طلاسم الدهشة والحيرة التي أصابتني وللوقوف معها على دلالة قولها  ” المجتمع يخدع المرأة بتحسين شروط عبوديتها، ويسمى ذلك حرية “

في البداية تعريف موجز عنك

حنين الصايغ شاعرة وروائية لبنانية، ولدت عام 1986 في جبل لبنان، حاصلة على ماجستير في تعليم اللغة الانجليزية من الجامعة الأميركية ببيروت، وعملت محاضرة بنفس الجامعة. صدر لها ثلاث مجموعات شعرية، ووصلت روايتها الأولى “ميثاق النساء” التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط اللبنانية إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).

* هل رواية “ميثاق النساء” مبنية على معايشات واقعية؟ 

لا يمكن فصل الأدب عن الواقع. حتى حين تتكىء الرواية على الخيال، يكون الواقع هو الملهم والمحرك لهذا الخيال. بدأت فكرة الرواية بملاحظتي لحيوات نساء أعرفهن وأخريات سمعت قصصهن، وأبهرني التنوع الشديد في حيوات هؤلاء النساء اللاتي نشأن في المجتمع ذاته. فهناك المرأة العاملة المستقلة، وأخرى قليلة الحيلة المستكينة، وثالثة تحفر بأظافرها في الصخر كي تخرج من هذا المجتمع بحثا عن حريتها. كما تعالج الرواية نمطا حديثا من النساء اللاتي يسافرن إلى الغرب بحثا عن الحرية والحياة خارج أسوار التقاليد، لكنهن يصبن بما يسمى الصدمة الحضارية والردة النفسية فيعدن إلى مجتمعاتهن التقليدية بحثا عن الأمان.

* ما هو الضمير الذي تفضليه لسرد رواياتك؟

استخدمت في روايتي الأولى ضمير المتكلم حتى يشعر القارىء بقربه من الساردة وكأنها تخصه بالبوح. ولكن هذا الأسلوب هو أصعب أنماط السرد لأن السارد لا يستطيع أن يحكي إلا عن أشياء عايشها او سمعها بشكل مباشر. أما في روايتي الثانية، التي ستصدر بعد أشهر، فلجأت إلى الراوي العليم لأن ذلك يسمح بالولوج إلى دواخل كل الشخصيات والتعليق على الأحداث من منظور الطائر.

 * هدف الرواية هو تسليط الضوء على قضايا معينة تخص المرأة وهذا دور الأديب ولكن في رأيك كإنسانة ما هي آليات تحقيق الحرية المرجوة للمرأة في مجتمعاتنا العربية؟

في الرواية تتكىء أمل على عكازي العلم والعمل للخروج من الحياة الصعبة التي زُجَّ بها إليها وهي لا تزال مراهقة. لكنها أيضا خاضت رحلة طويلة للتغلب على صراعاتها الداخلية والنفسية خاصة فيما يتعلق بالشعور بالذنب وصورة المرأة المشوهة عن نفسها. ومن أجل ذلك احتاجت الوعي، الصدق مع الذات وعدم التهرب من الأسئلة المصيرية الملحة. وهذا بالضبظ ما أقوله لكل امرأة تسألني: ما السبيل إلى الحرية؟

 * هل واجهتي تحديات أثناء كتابة الرواية، خاصةً فيما يتعلق بتناول موضوع حساس مثل قضايا المرأة وما هي تلك التحديات؟

إن أردت أن أكون صادقة معك، فلم تواجهني أي تحديات أثناء الكتابة لأنني كنت أكتب لنفسي ولم أكن أفكر في النشر إطلاقا. وحين انتهيت من الكتابة، قرأ العمل بعض الأصدقاء وألحوا عليَّ أن أُقدِم على نشره. وحين أخذت القرار بالنشر قررت ألا أحذف أي سطر من المخطوطة. كنت واعية بإنجازي لبناء سردي دقيق يتشابك فيه البعد الفكري والنفسي والسردي، بناء لا يحتمل سحب أي حجر من تكوينه.

* كيف قمتِ بتطوير شخصيات الرواية، وما هي الصفات التي حرصتِ على إبرازها في كل شخصية؟

تنوعت تقنيات البناء حسب كل شخصية، ولكن النمط الذي تكرر هو تقنبة البناء والهدم ثم إعادة البناء. مع بداية الرواية رأينا شخصيات محاطة بهالة من القدسية والتبجيل، لكنها مع تطور الأحداث وفي أول اختبار إنساني كبير، نرى هشاشة هذه الشخصيات وقابليتها للانهيار. بعد الصدمة، يتعلم القارىء كيف يتعايش مع الجانب الجديد للشخصية. حدث العكس مع أمل الشخصية الرئيسية في الرواية والتي بدأت الرواية بشخصية خائفة مترددة لا تثق بأي خطوة تتخذها، ومع تطور السرد نراها تجازف وتواجه وتكتشف صوتها ببطء ومثابرة.

 * هل هناك شخصية معينة في الرواية تشبهكِ أو تمثل جزءًا من شخصيتكِ؟

مبدئيا كل الشخصيات في الرواية تمثلني أو تمثل حالة عشتها أو عايشتها. ولكن بطبيعة الحال كانت أمل الشخصية الأقرب لتكويني النفسي ولتجربتي في الحياة.

 * كيف تصفين أسلوبكِ في الكتابة، وما هي التقنيات الأدبية التي استخدمتها في الرواية؟

أنا لا أستخدم أسلوب أدبي جاهز للكتابة. أعتمد في السرد على الحدس والشعور كمدخل لأي مشهد ويهمني أن يكون المشهد الروائي متعدد الطبقات لتحفيز وجدان القارىء وحواسه. فهناك الحدث الخارجي وهناك الشعور الداخلي لمن يختبر هذا الحدث، وهناك الفكرة الأكبر التي تتجاوز الحدث. ولعل المونولوج الداخلي للأبطال هو حلقة الوصل بين المشاهد الروائية التي تحدث في أماكن وأزمنة مختلفة. 

 * ما هي دلالة اختيار عنوان “ميثاق النساء” للرواية وأهمية؟

ميثاق النساء هو عنوان رسالة من كتاب الحكمة المقدس عند الموحدين الدروز، شيء يشبه “سورة النساء” في القرآن الكريم. ولكن ما أشير إليه  في عنوان  الرواية هو ميثاق الألم المشترك والفهم والدعم بين النساء، وأظنني أردت أن يتعامل النساء مع هذا الميثاق بنفس القدسية التي ينظر بها الإنسان إلى أي نص ديني. بعد مشهد مفصلي، يأتي في الرواية على لسان البطلة المقولة التالية:

“ربما أدركت في تلك اللحظة أن هذا هو ميثاق النساء الحقيقي. ميثاق من التضامن والفهم والوجع، لم يخطه أحد في كتاب ولم يفرضه أحد على النساء. ميثاق يجعلنا نترابط على بُعد آخر. بُعدٍ لا علاقة له بالدين والثقافة والجغرافيا. نحن متصلات كجذور اشجار السنديان العتيقة التي تمتد لعشرات الأميال وتتعانق تحت سطح الأرض. شيء ما يتحرك في المراة حين ترى امرأة أخرى تعاني، شيء ما يوقظ أنثى الذئب المتوحشة في أعماقها فيستيقظ تعاطفها وتتحرك أمومتها، حتى لو لم تكن قد أنجبت من قبل. “

 

 * كيف كان استقبال القراء والنقاد لرواية “ميثاق النساء”؟

 

أعتبر نفسي محظوظة لأن روايتي الأولى حظيت بهذا الكم الهائل من الاحتفاء من القراء والنقاد منذ الأسابيع الأولى لنشرها. ولكن أكثر ما أثر بي كانت الرسائل الدافئة التي تلقيتها من نساء من كافة الدول العربية، ليخبرنني أن روايتي لامست قلوبهن وأبكتهن أو جعلتهن يعدن  التفكير في حيواتهن.

 * هل هناك ردود فعل معينة من القراء أثارت اهتمامكِ أو فاجأتكِ؟

تفاجأت كثيرا من كم الرسائل التي وصلتني من شيخات درزيات شكرنني فيها على تسليط الضوء على حيواتهن بكل ما في من صلابة ووجع. وبعد أن تُرجمت الرواية للألمانية تفاجأت أيضا بنساء غربيات نشأن في الريف ووجدن أنفسهن في أجزاء كبيرة من الرواية خاصة فيما يتعلق بصورة  المرأة عن نفسها واقتران الأمومة بالشعور بالذنب.

 * ما هي أهمية الأدب والأديب في تسليط الضوء على قضايا المرأة والمجتمع؟

من الصعب أن يفهم الإنسان مأزق إنسان آخر من دون التعاطف معه، وهنا أحب أن أميز بين التعاطف والشفقة. فنحن نشعر بالشفقة اتجاه “الآخر” الذي لا نرى سوى نقاط ضعفه، فتكون الشفقة في هذه الحالة نوعًا من التعالي. أما التعاطف هو أن أضع نفسي في موضع الآخر بحيث يتوقف عن كونه “آخر”، ويحدث ذلك حين أفهم دوافعه وأشعر بمأزقه وأبدأ في تخيل حلول لأزمته. هذا بالضبط ما يصنعه الأدب، يجعلنا نتماهي مع الشخصيات ونفهمها حتى لو اختلفنا معها في الرؤية والفكر.

من أجل تحقيق ذلك  أميل إلى الأدب الهادىء الذي تكتب فيه المرأة عن نفسها بشفافية بدون خطابيه أو صدامية مباشرة .

* ” المجتمع يخدع المرأة بتحسين شروط عبوديتها، ويسمى ذلك حرية ” ما هو تفسيرك لهذه المقولة التي وردت في الرواية، وهل هي تخص مجتمع البطلة أو تعمم على كل المجتمعات العربية؟

هذه المقولة لا تخص مجتمع بطلة الرواية فقط، بل تمتد لتشمل وضع المرأة في كافة الدول العربية بل والغربية أيضا ولكن بدرجة أقل. ما زالت الحركات النسوية في الغرب تكافح من أجل المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة وكذلك من أجل عدالة التمثيل في الهيئات السياسية والمؤسسات الاقتصادية. وما زالت المرأة العاملة في كل أرجاء الأرض تشعر بالذنب والتقصير حيال أسرتها وتعتذر عن كونها أم وامرأة متحققة في ذات الوقت. وسبب ذلك هو وعي جمعي قائم على إرث طويل من الأفكار والممارسات التي خلقت تصورا معينا للمرأة المثالية، وهو تصور لا يراعي احتياجات المرأة بقدر ما يلبي توقعات المجتمع وتقاليده.

………………………………………..  

👁️ عدد المشاهدات: 29

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag