Skip links

(السعيد المصري – شاعر يعيش اللحظة بلا أقنعة) – بقلم الشاعر/ عماد سالم – من سلسلة دراسات في ظلال الشعر (دراسات ومقالات في شعر العامية المصرية)

يمثل الشاعر السعيد المصري حالة إنسانية وشعرية فريدة، فهو من القلائل الذين يصرون على أن يعيشوا بلا أقنعة، محتفظا ببساطته الريفية الأصيلة ووفائه لجذوره الأولى. هو ابن قرية جراح بمركز أجا – محافظة الدقهلية، التي تشكل له الملاذ والهوية، ومصدر الإلهام المتجدد في حياته وكتاباته. يعمل السعيد المصري في وزارة الثقافة، حيث كان أحد الأعمدة الصامتة التي تنهض عليها مؤتمرات عديدة، لكنه يفضل أن يكون “بطل الظل”، بعيدا عن الضجيج والدعاية.

بين القرية والمدينة :

لم تستطع المدينة أن تنزع الشاعر من حضن قريته، فهو يذهب إلى القاهرة مضطرا بحكم عمله، ليعود نهاية الأسبوع وكأنه يفر من زنزانة صاخبة إلى دفء الأرض والريف. في قريته يتحرر من ضغوط الحياة، يرتدي جلباب أبيه ويذهب إلى الحقل بجوار النيل ليستعيد ذاته وهدوءه. هذا التعلق بالقرية هو المدخل الأهم لفهم شعر السعيد المصري، حيث تنبض كتاباته بروح الطفولة والدفء الريفي، في مواجهة برودة الأسفلت وغربة المدينة.

الأب المعلم الأول :

يرى السعيد المصري أن والده، العامل بشركة الغزل والنسيج، كان معلمه الأول. فقد تعلم منه الزهد والاستغناء والتسامح، وكان بالنسبة له أشبه بالمتصوف والفيلسوف التلقائي. هذا التأثير ترك بصمته الواضحة على شخصيته الإنسانية والشعرية، وعلى قدرته على التعامل مع العالم وأسرته بإنسانية مفرطة.

رحلة القراءة والتجربة النقدية :

تجربة السعيد المصري مع القراءة رحلة متصاعدة، فقد أصبح اليوم مولعا بالمشاريع الإبداعية الكاملة للمبدعين أكثر من قراءته لأعمال متفرقة. بعد الخمسين، يقرأ بشغف غير عادي، ويخصص لكل شهر مجالا أدبيا أو فكريا بعينه: مرة في الفن التشكيلي، وأخرى في السينما، ثم المسرح، وهكذا. وقد أثمرت تجربته الشعرية تسعة عشر ديوانا شعريا، وحظيت باهتمام نقدي موثق في كتاب ( فتنة الذاكرة والأسئلة.. في تجربة السعيد المصري الشعرية ) ، الذي جمع دراسات ورؤى نقدية وحوارات عدة حول تجربته الممتدة لثلاثة عقود.

بين العام والخاص

لم يتردد السعيد المصري في أن يعيش كل مرحلة من حياته بجدية، حتى مرحلة أن يصبح جدا في الخمسين، فكتب للأطفال مستثمرا مشاعر الجد المدهشة. كما اختار أن يصدر أعماله الشعرية الكاملة في حياته، نزولا عند هوسه بقراءة المشاريع الأدبية المكتملة، ورغبة منه في لم شتات تجربته التي باتت تشمل العامية والفصحى معا.

الفقد والحنين :

تجربة الفقد عنده تأخذ طابعا صوفيا، خاصة مع رحيل أبيه الذي وصل معه إلى حالة من التوحد الروحي، وكأنهما يتنفسان من رئة واحدة. بعد رحيله، تحولت مشاعره كلها إلى أمه، فكتب عنها تجربته الثالثة بالفصحى، مكرسا صورة الأم المصرية النموذج التي تعطي بلا حدود.

رؤيته للواقع الثقافي :

يصف السعيد المصري الواقع الثقافي في مصر والعالم العربي بأنه واقع شائك، يفتقد لنسق موحد، ويعاني من جزر منعزلة. يرى أن التحدي الحقيقي يكمن في مواجهة أفكار تغزو الأجيال الجديدة وتدفعهم نحو الاغتراب وفقدان اليقين، ما يتطلب بناء وعي نقدي مقاوم ورغبة صادقة في تأسيس عقل ثقافي عربي جديد.

شاعر اللحظة الراهنة :

وعندما يُسأل عن أحلامه، يجيب السعيد المصري: «لا أحلم كثيرا فأنا ابن اللحظة الراهنة». إنه يفضل أن يعيش تفاصيل الواقع بكل مراحله الصغيرة، بعيدا عن هواجس المستقبل وتحولاته المرعبة. هكذا يتجلى السعيد المصري شاعرا وإنسانا يعيش ببساطة وصفاء، متشبثا بجذوره، ومتوهجا بإبداعه.

قراءة في قصيدة : باصص في مراية ترعة .

باصص فى مرايـة ترعـه

مرعـوب جـداً..‏

وهو قالب جيوبه

قدام قضبان.. ‏

شباك التذاكر

ولأنه لأول مره.. ‏

بيحسس ع التجاعيد

إبتدا يدارى الدموع..‏

اللى بتسرج جواه ‏

بابتسامه خفيفه

حاول أكتر من مره..‏

يدبق.. ‏

دبابيس لوح إزار..‏

إنرزع جــــوّاه

ويهرب بره الصف؟!‏

‏*‏******

منادى الميكروباص..‏

اللى سوجر الباب..‏

وعَد الأُجره أكتر من مره..‏

وغمز للسواق فى مطب

ف هدى السرعه

ووطى صوت «عبد الباسط»‏

وشخــط: ……‏

نفر ماحاسبش، يا اولاد الـ….‏

دلوقتى..‏

ابتدت تسرج السما

ويخش.. ‏

الليل فى النهار..‏

النهار فى الليل

وصف الكافور المحنى..‏

الباصص فى مراية ترعه

مستغرب جداً ‏

وإحنا نازلين.. ‏

واحــد.. واحــد.. واحـــد

نتكعبل فى التجاعيد؟!‏

‏*‏******

مرعـوب جــداً.. ‏

م الهاموش.. ‏

اللى بيملا عيونه

كل ما تسرج..‏

فى ضلوعه الفرحه

م الميـّه المالحه..‏

اللى بتنشع من جوّاه

لما يطاطى.. ‏

فى لحظة ضعف

من هوجة نزف «إيزيس»..‏

لما تدبق..‏

فرافيت صوته..‏

من ورا قضـبان.. ‏

شباك زنزانه

من ريحة مِسك..‏

بتفك.. فى جتة عيـّل

متكتف.. ‏

جوّا حضرة نعش طاير

من غِل عساكر.. ‏

قوات الأمن

لما تحوّط برق الحلم..‏

فى كل مظاهره

إبتـدا يمسـح بكمامه.. ‏

إزاز النضاره

م الشبوره.. ‏

اللى بتكتر جـواه؟!‏

‏*‏******

لما اكتشف فجأه ..‏

انه لوحده.. ‏

فى أتوبيس نقل عام

وإن الأسطى.. ‏

اللى مستخبى ورا شبورة.. ‏

دخان سجايره الفرط..‏

دايس ع السارينه

وبيزغرله بغيظ.. ‏

فى مرايه مشروخه

وإن الكمسرى.. ‏

نايم ع الكرسى اللى وراه..‏

وفاتح صندوق التذاكر..‏

للفراشات الملونه

اللى فلتت.. ‏

م الدبابيس والأستك ‏

للشارع؟!‏

‏*‏******

مرعـوب جــداً.. ‏

م التجاعيد

من عواميد النور المحنيّه

من نوتة دكتور أعصاب

م الباب.. ‏

اللى مسوجر ع الماضى ‏

م الناحيه دى.. ‏

والناحــــيه دى

م الناحيه دى.. ‏

والناحــــيه دى.‏

ابتـدا يرص.. ‏

ولاده طابور ‏

فيحس لأول مره.. ‏

بالتجاعيد؟!‏

‏*‏********

المجـذوب.. ‏

اللى مقرفص يوجا..‏

على بوابة جامع

باخاف من سره الباتع..‏

اللى مشيّع مريدين..‏

لكنس مقام «الست»‏

واللى ساعات.. ‏

بيدخل من بوابة ‏

ضحكة حضن البنت

لدوخة حَر الحضره

من سكرة روحه..‏

فى روحه.. فى روحه.. فى روحه..‏

من بوحه بسر السر.. ‏

لأهل الخطّوه.‏

إبتـدا دلوقتى..‏

يمر سحاب.. ‏

وسحاب.. وسحاب..‏

وبتشتى عليه الشمس..‏

شــرارالنشــوه؟!‏

‏*‏*********

مرعـوب جــداً..‏

من غـمّاز سـناره..‏

بيغطس.. ويقـــب ‏

بيغطس.. ويقـــب

بيغطس.. ف تجره شعور جنيِّه..‏

لأغوّط حته.. فى بير الحلم

دلوقتى الفيلم هايبدأ..‏

ومزيكا سيمفونى

هاترشرش.. ‏

رتم سريع ع المشهد

وساعه هربانه.. ‏

من على شط فى لوحة لـ «دالى»‏

هاتخطف.. ‏

لون الحيطه فى كادر.‏

إبتـدا يتنفس..‏

م الخياشيم..‏

ويكرر نفس المشهد..‏

بيرص ولاده طابور.. ‏

ويحسس ع التجاعيد، ويعيـّط؟!‏

‏*‏***********

لما اكتشف فجأه..‏

إنه محشور فى طوق سفنج

شابط فى لوح خشب..‏

من سطح عبَّاره غرقانه

وإن الموج زى قطيفه.. ‏

بتدعك روحه

وإن ملاك قاعد.. ‏

على طرف سحابه

مستنى الأرواح بجرابه.‏

إبتـدا يشوف الشط..‏

ويرفَّس..‏

فى الجتت المنفوخه.. ‏

اللى اتلمت حواليه؟!‏

‏*‏*************

مرعـوب جــداً..‏

م الدبابيس

م الكوابيس الحراقه

من بقعه فى حِجر قميص ‏

من أسباب رفع نسبة..‏

الكلسترول،

‏ والإكتئاب،

‏ والتينـيا

من عض معادلات الفيزيا

من كيميا الشوف..‏

أكتر م اللازم.‏

إبتـدا يغطى الساقعه..‏

اللى محنيَّه كفوفه.. ‏

بجوانتى.. ‏

وسيجاره.. ‏

وكُبَّاية شاى؟!‏

‏*‏*************

لما وقف.. ‏

أكتر من ساعه..‏

وسط نافورة ميدان

مسنود..‏

على عكاز تجاعيده

مستنى اللى يعديه.. ‏

م الشبوره للشبوره

والعسكرى الملزوق.. ‏

فى كرسى بلاستيك

بص له وعمل نعسان

والبنت الراكنه.. ‏

على فاترينه إزاز

استغربت.. ‏

م الشبه الواضح جــداً..‏

بينه وبين جدها التايه ‏

فقررت.. ‏

تصطاده وتهرب؟!‏

‏*‏**************

مرعـوب جــداً..‏

م البرص.. والعرس.. والسحالى..‏

م الصراصير.. والبراغيت.. والــبـّق.. ‏

م التعابين.. والغربان.. والبــوم..‏

من زغرة ناب.. ‏

لابد لشهاب فى الضلمه

م الضحكه الناعمه..‏

لما تمس عيدان شرقانه

من روح هلكانه..‏

لما بتغرق فى التواشيح

م المراجيح..‏

لما ف ثانيه تبوس السما..‏

وترجع تانى تبوس الطين

من كل اتنين.. لما تلاقى تالتهم خايف

م الفرع الناشف..‏

لما يطاطى للزعابيب

إبتـدا دلوقتى..‏

يبص الفجر

من ورا شبَّـاك الكاميرا؟!‏

تُمثّل قصيدة ( باصص في مراية ترعة ) نموذجاً دالاً على خصوصية تجربة الشاعر السعيد المصري في شعر العامية المصرية، حيث تتجاور في النص مستويات لغوية ودلالية متعددة: الواقعي، الرمزي، الصوفي، والسياسي. هذا التعدد يفتح أفقاً للتلقي يتجاوز المباشرة اليومية، ليؤسس لبنية شعرية مركبة، قوامها ثيمتا الخوف والزمن.

أولاً: لازمة الخوف بوصفها بنية إيقاعية ودلالية

يتكرر في النص التركيب «مرعوب جداً» ليشكل لازمة صوتية، تؤدي وظيفة إيقاعية، وتُرسّخ في الوعي الجمعي معنى الهشاشة والقلق الوجودي. هذا التكرار لا يعمل على مستوى الصوت فحسب، بل يتحول إلى بنية دلالية تصوغ التجربة الإنسانية للشاعر، إذ يصبح الخوف مفتاحاً لفهم الوجود اليومي، بدءاً من تفاصيل الميكروباص والأتوبيس، وصولاً إلى مواجهة العساكر والموت.

ثانياً: التجاعيد بوصفها استعارة كبرى للزمن

تحتل مفردة ( التجاعيد ) مركزية لافتة في النص، حيث لا تُختزل في دلالتها الجسدية المباشرة، بل تتحول إلى استعارة كبرى لانكسارات الزمن الفردية والجمعية. فالتجاعيد هي علامات الشيخوخة الشخصية، وفي الوقت نفسه تجاعيد المدينة والذاكرة والتجربة السياسية. هذا الازدواج يمنح النص بعداً وجودياً يتجاوز حدود الواقعة الفردية.

ثالثاً: المشهدية والبعد السينمائي

النص يُبنى على تقنية مشهدية قريبة من السينما. ثمة لقطات متتابعة: شباك التذاكر، منادي الميكروباص، الأتوبيس العام، شبّاك الكاميرا. هذه المشاهد تُعرض بلغة متقطعة قصيرة، تُحاكي سرعة الكادر السينمائي، وتؤسس لحركة بصرية داخل النص. كما يحضر التناص مع الفن البصري العالمي (لوحة دالي) ليؤكد نزوع النص إلى تشكيل صور بصرية سريالية.

رابعاً: البعد السياسي والاجتماعي

يتسرب الخطاب السياسي إلى جسد القصيدة عبر صور مثل: ( غِل عساكر قوات الأمن )، (والنعش الطاير) ، و( المظاهرة ). هذه الصور تُحيل إلى سياق اجتماعي وسياسي مأزوم، حيث يتحول الجسد الفردي إلى شاهد على قمع السلطة، وتغدو اليوميات المألوفة (الميكروباص، الكمسرى) مرآة لواقع خانق.

خامساً: التناص مع الأسطورة والتجربة الصوفية

يحضر في النص تناص صريح مع الأسطورة (إيزيس) والتجربة الصوفية الشعبية (السر الباتع، المجذوب). هذا الحضور يمنح النص بعداً أنثروبولوجياً، إذ يتقاطع الفردي/اليومي مع المقدس/الأسطوري، في محاولة لتجاوز الضيق الواقعي عبر استدعاء رموز كونية وروحية.

سادساً: البنية الدائرية والانغلاق

يبدأ النص من مراية الترعة وينتهي عند شبّاك الكاميرا. هذه الحركة الدائرية تُحيل إلى انتقال الوعي من الطبيعة/البراءة إلى التقنية/الاصطناع، بما يعكس رحلة اغتراب الذات. الانغلاق البنيوي هنا يعمّق إحساس العجز، ويضاعف من حدة القلق الذي يحكم النص.

قصيدة ( باصص في مراية ترعة ) تقدم رؤية شعرية مركبة، تقوم على جدلية الخوف والزمن، وتستثمر لغة عامية غنية بالرموز والاستعارات، تتجاوز التقريرية لتبني خطاباً شعرياً مفتوحاً على اليومي والأسطوري معاً. يتبدى من خلالها وعي الشاعر بقدرة العامية المصرية على احتضان مستويات متباينة من الدلالة، وعلى التعبير عن تجربة وجودية وجمعية في آن واحد.

بين الأنا والآخر: قراءة في شبورة

شــبوره بتنزل جــواك

وأنا باتفرج..‏

على فيلم كوميدى..‏

منعاد للمره الألف

كتمت الصوت..‏

وسرحت مع إشارات المذيعه ‏

اللى كات متنرفزه..‏

فى ركن الشاشة؟!‏

‏*‏*********

شدنى م القميص.. ‏

فى الشارع ‏

حاول يتكلم ويّايّا ‏

بصوابعه العشرة

بصراحه مافهمتوش ‏

فطلع لى ‏

الكارت الأصفر؟!‏

‏*‏*******

وف تانى محاوله..‏

هدى النْهجَان

اللى مكتف صدره

وقف أكتر من ساعه

يتنى ويفرد.. ‏

فى صوابعه العشره ‏

طــبّق كفـه..‏

وملّس بيه على ضهرى ‏

خربش..‏

بضوافر كفه التانى

قطن سحابه معديّه ‏

استغربت لما لاقيته..‏

بيفرّق إشاراته عليَّ

وعلى مانيكان.. ‏

الفاترينه اللى قصادى

ع البنت الفايره.. ‏

اللى طالعه من هدومها.. ‏

فى بلكونة.. آخر دور ‏

على تماثيل الزعما..‏

اللى بتشوه ميادين الكون

على برج كنيسه.. ‏

بيحضن مدنة جامع

حس بى.. ‏

وأنا واقف جنبه

لكن روحى مش شايفاه ‏

فمسح لى النضاره بكُـمه؟! ‏

‏*‏**********

وف تالت مره..‏

طلّع منديل دبلان.. ‏

من سيالة جلابيته

وفضل يكحت..‏

من على وشى.. ‏

كل راقات المكياج

قعد أكتر من ساعه..‏

يمثل فى مشاهد..‏

من أفلام عربيه قديمه

كان بيشاور.. ‏

يمة باب السيما..‏

ويمسح عرقه الطافح

كان بيبص لى..‏

نفس البصه.. ‏

اللى بترعب عيـّل أخضر

كان لسه بيلعب

فى الطين امبارح

وبيشــبط.. ‏

ع الجميز،

والتوت، والسنط

وبينـزل..‏

بعشوش العصافير

وبيزنق بنت بقُصه.. ‏

فى كل خرابه ‏

ويسرق.. ‏

من ريق شفايفها السكر

فجـأه..‏

لاقيته بيضحك لى

وطلع لى.. ‏

كف حـلاوه بسمسم؟!‏

‏*‏************

وف رابع مره..‏

دفس صوابعه العشره.. ‏

فى طوق جلابيته المكويّه

طلع لى..‏

من جيب الصديرى الجوانى..‏

صوره أبيض وأسود..‏

أنا وهوَّ..‏

فى هُوجه وزحمه ‏

لكن كنا بنحضن بعض!‏

متهيألى..‏

كنا بنضحك

على نفس النكته ‏

وبننـزف..‏

من نفس الجرح

مش عارف ليه !؟

كل وشوش الصوره..‏

بتسكن روحى.. ‏

إللا ملامحه؟!‏

‏*‏**************

وف خامس مره..‏

جرّنى على أقرب..‏

كرسى مازايكو

ونزل بوس.. ‏

على قورتى وخَدى وبُقى ‏

كان بيشاور على دمعه.. ‏

بتـنزل جوايا.. ‏

بتلسع روحه

وفضلت أنعكش..‏

فى شرايط تصاوير جوايا

على أقرب واحد يشبه له

مالقيتهوش

فجـأه..‏

لاقيته بيعيَّط

فطلعت له نص جنيه؟! ‏

‏*‏**********

وف مره.. ‏

جرجر روحى.. ‏

على أول كوبرى.. ‏

وف نُصه

فضل أكتر من ساعه.. ‏

يبحلق فى الميّـه

كإنه مواعد جنيَّه..‏

ونسيت روحها..‏

قدام قرص إزاز تسريحه ‏

كأنه بيدوّر ع الخاتم..‏

فى بطن البلطى..‏

الملموم حوالين ضله

شويه يعيّط

لما يموت م الضحك

حبه يشاور.. ‏

لكل أتنين حبيبه

سارحين..‏

تحتيه فى فلوكه ‏

وشويه يدندن بأغانى.. ‏

مش مفهومه.. ‏

ويغرق..‏

فى دموع الضحك.. ‏

ويقب معيّط

حاول أكتر من مره..‏

ينادى كفوف الشمس..‏

لاجل ما تكسر.. ‏

شيش الشبوره..‏

اللى بتنـزل بينى وبينه.‏

‏*‏*********

وف مره..‏

حوّد على أول ‏

تلاجه إستانلى ستيل

عبى الكُبَّايه لآخرها..‏

شرب شفطه.. ‏

وسقانى بقيتها

أشترى بالخمسين قرش

كوز دُره ملهلب..‏

قسمه أتنين.. ‏

وادانى نُصه الأكبر

حاول.. ‏

أكتر من مره يزغزغنى

الظاهر عارف.. ‏

إنى باغير من أيها لمسه ‏

طب ليه.. ‏

المره دى ما غيرتش!؟

‏*‏************

وف كل مره.. ‏

كنا بنركب فى الأتوبيس

كان يشخط فى الكمسرى..‏

فيقطع لى نص تذكره.. ‏

ويرجع له الرُبع جنيه

كان لما يزوم..‏

بيقوم واحد مجعوص، ‏

ويقعد هوَّ مكانه

شـاور أكتر من مره..‏

على عيّـل نايم فى جنينه

متغطى ببالطو مهربد

على بنت بتشحت.. ‏

بعلب مناديل و«آيات قرآنية»‏

على نسوان بيعيطوا بحُرقه..‏

على تلتوار مستشفى «الطوارئ»..‏

على حرافيش «نجيب محفوظ»..‏

الفايتين على رف مشاعره..‏

بواقى شقاوة روح

وف آخر الخط.. ‏

لاقيتنى باطلّع ورقه، ‏

وباكتب له عنوانى..‏

ف لاقيته مطلّع نفس الورقه، ‏

بيكتب لى نفس العنوان؟!‏

قصيدة ( شبورة بتنزل جواك ) للشاعر سعيد المصري تنتمي إلى نصوص العامية الحديثة التي تتجاوز حدود الوصف المباشر لتدخل في فضاء رمزي مركب. النص يتخذ شكل مشاهد متتابعة، يتكرر فيها حضور آخر غامض، يتخذ أشكالًا وصورًا متباينة، في مواجهة ذات الشاعر. هذه البنية المشهدية تكشف عن رؤية فلسفية عميقة للعلاقة بين الإنسان والعالم، بين الذات والآخر، في زمن تتلاشى فيه الحدود وتتراكم الضبابية.

البنية المشهدية والإيقاع

القصيدة تقوم على تتابع لقطات سردية قصيرة، تبدأ غالبًا بعبارة: ( وف مره…). هذا التكرار ليس مجرد أسلوب لغوي، بل يمثل تقنية بنائية تشبه التقطيع السينمائي، حيث تُعرض المشاهد واحدًا تلو الآخر، في حركة متوالية أشبه بوميض الذاكرة أو الهلاوس. هذا الإيقاع المتكرر يولد شعورًا بالدوام والدائرة المغلقة، حيث لا تصل الذات إلى لحظة اكتمال، بل تبقى أسيرة إعادة التجربة مع اختلاف صورها.

الآخر الغامض والبحث عن المعنى

الآخر الذي يظهر في النص لا يتحدد بشخصية واحدة؛ مرة يشد القميص، مرة يخرج كارتًا أصفر، مرة يمسح النظارة، وأحيانًا يقدم الحلوى أو يقبّل الشاعر. هذا التعدد في الصور يشي بأن الآخر ليس كائنًا محددًا بقدر ما هو مرآة رمزية: قد يمثل الذاكرة، أو الطفولة، أو الظل الاجتماعي، أو حتى الوجه الآخر للذات نفسها.

لكن اللافت أن جميع محاولات التواصل معه تنتهي إما بسوء فهم أو انقطاع أو بقاء المسافة، كأن هناك دائمًا جدارًا شفافًا يفصل بين الأنا والآخر.

رمزية الأشياء وتكثيف المعنى

النص ممتلئ بأشياء يومية عادية لكنها مشحونة بدلالات رمزية:

الكارت الأصفر: إنذار مبكر عن لعبة وجودية لا يفهم الشاعر قواعدها.

المنديل الدبلان ومسح المكياج: محاولة لكشف الزيف والوصول إلى الجوهر.

الصورة الأبيض والأسود: استدعاء للذاكرة المشتركة المشوشة، حيث يتعرف الشاعر على ذاته لكنه يفقد ملامح الآخر.

النصف (نص جنيه، نص تذكرة، نص كوز درة): رمز متكرر للعجز عن الاكتمال.

الأتوبيس والكمسري والفقراء والمتشردون: إحالة إلى واقع اجتماعي مثقل بالبؤس، يحضر في خلفية المشهد الشعري.

الكوميديا السوداء والمفارقة الشعورية

القصيدة تنبض بما يشبه الكوميديا السوداء، إذ يتجاور الضحك والبكاء في مشهد واحد: الآخر يضحك حتى البكاء، أو يبكي وسط لحظة مرح طفولية. هذا التناقض يعكس مأزق الإنسان المعاصر الذي يفقد قدرته على الفصل بين المتناقضات، فيعيش دائمًا في منطقة التباس شعوري.

البعد الفلسفي للشبورة :

الشبورة ليست مجرد خلفية مكانية أو حالة طقس، بل استعارة كبرى لحالة وجودية. إنها الضباب الذي يحجب الرؤية، ويحول دون اكتمال الاتصال بين الإنسان ونفسه أو بالآخرين. الشبورة هنا هي رمز الاغتراب الداخلي، والقصيدة كلها رحلة بحث في هذا الضباب، محاولة للقبض على المعنى، لكنها تنتهي إلى إعادة إنتاج الغموض ذاته.

التطابق والاغتراب :

ينتهي النص بمشهد تبادل العناوين، حيث يكتب كل طرف نفس العنوان للآخر. هذه اللحظة توحي بالتماثل والوحدة، لكنها لا تزيل الغشاوة. فحتى في أقصى درجات التشابه، تظل الشبورة قائمة، والفصل بين الأنا والآخر باقٍ. إنها النهاية التي تكثف عبثية المحاولة وتؤكد في الوقت نفسه وحدة المصير.

قصيدة سعيد المصري تقدم نصًا سيرياليًا بامتياز، يتجاوز المباشرة ليمزج بين المشهدية والرمزية والفلسفة. هي رحلة متكررة في الضباب، حيث يتقاطع اللعب الطفولي مع الذاكرة، والفقر مع الحميمية، والضحك مع البكاء. كل ذلك يجعل من النص شهادة شعرية على اغتراب الذات المعاصرة، التي لا تجد الآخر إلا كظل ينعكس في مرآة الشبورة.

يتضح من خلال قصيدتي «باصص في مراية ترعة وشبورة بتنزل جواك أن سعيد المصري شاعر يملك خصوصية واضحة في صياغة نصوص العامية الحديثة، حيث يزاوج بين المشهدية السينمائية والتكثيف الرمزي، ويُدخل القارئ في عالم يختلط فيه الواقع بالهواجس، والضحك بالبكاء، واليقظة بالحلم. يعتمد في بناء قصيدته على التقطيع المشهدي والتكرار الإيقاعي الذي يمنح النص طابعًا دائريًا، يجعل القارئ شريكًا في إعادة اكتشاف التجربة. كما أن توظيفه المكثف للرموز اليومية – من الكارت الأصفر إلى النصف تذكرة أو النصف جنيه – يمنح التفاصيل العادية بعدًا وجوديًا عميقًا، يكشف عن مأزق الإنسان المعاصر في مواجهة الاغتراب واللااكتمال. لقد نجح الشاعر عبر هاتين التجربتين في أن يحوّل العامية المصرية إلى لغة فلسفية قادرة على حمل أسئلة كبرى عن الذات والآخر، عن الزمن والذاكرة، وعن المعنى الذي يظل دائمًا محجوبًا خلف الشبورة.

…………………..

👁️ عدد المشاهدات: 317

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag