Skip links

قراءة في كتاب (العراق وإبادة الأقليات …الايزيديون مثالا ) – حاتم عبد الهادي السلايمة

 مدخل ومظلومية :

دعوا السلام ينمو في الأرض لتطير الحمائم العربية في سلام ” ؛ بهذه العبارة يمكن تلخيص القضايا التي تصدرت المشهد العربي؛ والشرق أوسطى؛ والعالمي، تجاه العراق ما بعد مرحلة سقوط نظام صدام حسين، وما كان من أمر مريب تجاه قضايا الأقليات في العراق، وعلى رأسها قضايا ” الإيزيديين” الذين سحقوا بالآلاف تحت مجنزرات داعش، وصمت العراقيين والمجتمع الدولي، والعالم وكانت حرب إبادة جماعية مورست فيها أبشع صور التعذيب والإبادة ، من ذبح الأطفال والرجال والنساء، إلى قتل وسبى وانتهاك أعراض الفتيات، والنساء، وبقر البطون للحوامل، واكراه داعش للجميع بتبديل دينهم، ومعتقداتهم وطقوس تعبداتهم؛ بما يمكن أن نصفها بـ ” مذبحة القرن الكبرى، فالكل مشارك : داعش بقوته وانتهاكاته، والعراقيون بصمتهم، وتخاذلهم، والضمير العالمي بوقوفه ، وتمثيله دور المتفرج على هذه المسرحية الهزلية الكبرى ” في العبث بأجساد النساء والفتيات عبر مسرح ” العار الكبير ” فوق خشبة العراق التاريخية وبين فراتها، ودجلاها الرافضين لصور تهتك أجساد البنات والنساء بل الرجال والاطفال كذلك، ولمناظر الدماء الثخينة المنسالة على وجه النهرين الشامخين الكبيرين. لقد دفع الإيزيديون دون أدنى جريرة أو إثم فاتورة صراعات التمذهب التعنصر، والتشدد والإرهاب والصمت ، والفراغ العربي ،وغدت صور الدواعش الوحشية تتصدر ” مذابح التاريخ الحديثة ” ، فما أبشع وأقذع تلك الممارسات الوحشية ؛ وما أصعب الصراع بين المذاهب والأعراق، وتأجيج العنصرية والانتصار لأفكار ومرجعيات عبر قوى داخلية تحارب بالوكالة من جهة ؛ وقوى خارجية تلعب دور تضيق الحصار على هذه ” المسرحية المخطط لها سلفاً ، لتأجيج ” الفوضى الخلاقة” ولتقسيم العراق والعالم العربي إلى دويلات مندفعين بأطماع إمبريالية غاشمة ومستغلين ثورات الربيع العربي، أو خريف العرب الحزين “؛ لتقسيم العرب والمسلمين إلى طوائف وشراذم وتقسيم كعكتهم، وتورتهم الثمينة، وثرواتهم بين القوى الرأسمالية الكبرى، ولقد ابتلع الجميع الطعم، وباتوا في ” الفخ العالمي ” الذى يتربص بين الفينة والأخرى للاستيلاء على تلك

المقدرات والثروات ، من خلال إذكاء تلك الملفات المذهبية خاصة ملف الأقليات في العراق الحزين ، وغدا ” الدواعش أبطال تلك المسرحية الهزلية التي راح ضحاياها مئات الآلاف من دماء الأبرياء الطاهرة على أرض عراق الرافدين التاريخية الشاهقة الباذخة والجميلة أيضاً.لقد تمثلت الحملة الداعشية المدعومة من الغرب ذي الطموح الاستعماري في السعي إلى تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم : “لإجهاض العرب ، فكانت الحرب العراقية الأمريكية، ثم السورية، ثم الليبية واليمنية واللبنانية – الآن – وغيرها ؛ بمثابة العبث بطاولة العرب، ليصبحوا بيادق هزيلة على طاولة شطرنج العالم الجديد، حيث تسيدت سياسة القطب الأمريكي الواحد، لرسم السياسات في العالم ؛ وتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات متناحرة تارة، ومتمذهبة ومتعنصرة ،تارة، وتأجيج الصراع السنى الشيعي، وبالتالي اجهاض القوى العربية الإسلامية ، وهو ما يفتح باب التدخلات ، والغزو، وهو ما حدث في العراق، وما كان في سوريا، وما يحدث الآن في اليمن وليبيا ولبنان – على مضض ـ وما كان من أمر ” ثورات الخريف العربي ” والتي استفاقت دول كبرى مثل مصر، وأجهضت تلك المخططات والتي كانت ” جماعة الإخوان ” تمثل الدور الهزلي لهذا المخطط العالمي الجديد، للشرق الأوسط الجديد، وما سمي بعد ذلك بصفقة القرن، ولقد تصدت مصر للمخطط بقوة، وأجهضته في حينه، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بينما ظل الوضع في العراق يتناهبه سماسرة ؛ لا يهمهم سوى اقتسام كعكة العراق الحزين على جثث هذه الفئات المهمشة، وعلى رأسها الإيزيديون، وفئات أخرى من الأقليات الحزينة التي لاقت الويلات، ودفعت ” فاتورة حرب ” لا ناقة لها فيها ولا جمل . وتحول الإيزيديون بذلك مثل غيرهم من الأقليات العراقية، الى طرف مستضعف في المعادلة السياسية العراقية، وتقاطر الجميع إلى المتاجرة بهم كورقة ملعوب بها عند اللزوم وفق معايير نظام المكونات العراقي النظام الذي تم ابتداعه بروح فوقية ، بل أدرج بصورة منافية الحقوق الانسان في الدستور العراقي ، حتى يتاح للمكونات الكبرى

تحقيق انتفاعاتها وممارسة فوقيتها بلا هوادة على العراق وبشرها وخيراتها وأرضها ككل.

 

إبراهيم سمو؛ المؤلف وتعقب القهر والإبادة:

 

 وفى كتابه : ” العراق وإبادة الأقليات .. الإيزيديون مثالاً ” للمؤلف / ابراهيم سمو يمكن أن تتضح لنا الكثير من الحقائق فالمؤلف هو أحد الحقوقيين الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن ملف الأقليات بخاصة ملف الإيزيديين ، بصفته أحد أبناء هذا “المكون الديني” إن صحت عبارة “المكون الديني بحسب ما يتم تداوله في لغة الشارع السياسي العراقي وتجدر الإشارة في هذا المضمار ان القانون الدولي أعطى الحرية للمواطنين على مستوى العالم باعتناق كل فرد للديانة التي يختارها ؛ دون اكراه أو تقييد، فالحريات الدينية فصل متفق عليه في كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، وميثاق الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان، كما أن الأديان السماوية تكفل ذلك الحق ، وتدعو إليه، لقوله تعالى في القرآن الكريم :” لكم دينكم ولى دين ” ، وهذا حق مكتسب لحرية العقيدة الدينية : ” لا إكراه في الدين قد تبين الرُّشد من الغَيِّ ” صدق الله العظيم. ولعله من نافلة القول، ومن عجائب الأمور أن تُضطهد او تُستلب جماعة أو أُمَّةٌ بسلطة من القانون بسبب معتقدها او تُكْرَه بمقتضى فتاوى دينية مغلوطة على ترك دينها لتتحول، وبفعل قوة خارجة عن الحق؛ متشددة، مثل داعش التي انتشرت تعيث في الأرض دون مرجع ديني فسادا، فليس هناك دين سماوي : لا في القرآن، أو التوراة، أو الإنجيل، أو غيرها من الكتب الأخرى؛ تبيح لأحد مهما كانت سلطته وجبروته، أن يُغَيّر معتقدات الآمنين بالقوة؛ لتغيير ،الملة أو المعتقد، أو العقيدة، أو المذهب ،من أجل ” خلافة مزعومة ” ، أو تحريف لنص، أو فتوى لغير عارف بمنطوق الشرائع، والأحكام الفقهية والشرعية، فلم تنتشر الأديان بقوة السيف، بل بالحكمة والموعظة الحسنة مصداقا لقوله تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ” .

فالدعوة لدخول دين جديد تكون بالإقناع ، لا بالسف والقتل والترهيب، وهذا ما فعلته “جماعات داعش في العراق ” – كما يقول المؤلف/ ابراهيم سمو، فقد قتلوا الإيزيدين، وسبوا النساء، وبقروا بطون الحوامل، وذبحوا الأطفال، وخيروا الإيزيديين على ترك معتنقهم وإلا فالقتل والحبس والسبي؛ وغير ذلك من الفظائع؛ وهذا يتنافى مع مبادئ الشرائع السماوية السمحة، فقداسة الدماء ، وحرمة القتل، هما من الكبائر التي ترفضها جميع الشرائع السماوية قاطبة؛ فمن يقتلون باسم الدين وبمناسبة اختلاف المعتقد هم فئة ضالة، تريد نشر الفتن في الأرض، وتنشد عدم استقرار الأمن في العالم، وهؤلاء تطبق فيهم الحدود، فكيف لفئة ضالة تتستر تحت مسمى الدين كي تقتل وتستبيح الحرمات ، ثم تطلب من الآخر أن يعتنق دينا جديدا عليه بالإكراه، فإذا كانت دعوتهم صادقة كان عليهم الرجوع إلى نصوص الآيات؛ التي تنص على حرمة الدماء، فهي في الإسلام أفظع من هدم الكعبة ، فكيف يبيحون ما نهى المولى عنه، ويصدرون للغرب أنهم أصحاب عقيدة تدعو إلى الجهاد، ولم تنص الشرائع على ذلك ، كما أن دولة القانون لا تبيح القتل بل هناك العقوبات التي نصت عليها الدساتير والقوانين ، ولعل هذا ما اراده المؤلف في هذا الكتاب -الذى نعرض له – حسب كلامه، وحسب المنطق العقلي والبرهان الإنساني، فالإنسان مكرم من قبل الخالق، وله حرمة ، وشريعة القتل العمد لتغيير الملة لم تنص عليها آية، أو نص في توراة ،أو انجيل ؛ فمن أين أتوا هؤلاء بتلك الفتاوى الإرهابية وقتلوا وسلبوا ونهبوا ودمروا السكان وروعوهم، وهذا انتهاك لحرمة ثانية تتمثل في ” ترويع الآمنين ” ، ويُعد “ترويع الآمنين” من المجرمات لدى جميع الأديان والمعتقدات والمذاهب، فالشرائع أتت بالرحمة والسماحة و حرية المعتقد والدين، بل ودعت للتعايش في ظل مظلة ” الإسلام ” وفى مظلة ” المسيحية “،ومظلة ” اليهودية ” ، حتى لدى البوذيين والهندوس وغيرهم؛ لم نجد من يبيح ترويع الآمنين والقتل والسلب والنهب واغتصاب النساء كما رأينا ما فعلته ” جماعات داعش ” في سنجار (شنكال) غرب الموصل، وفى نينوى وغيرها من المدن والقرى والتجمعات السكنية الإيزيدية ، وإذا ما عرفنا بأن الإيزيديين -هناك – يزيد عددهم على نصف مليون نسمة لأدركنا – كما يوضح الكاتب – أننا أمام أكبر مذبحة بشرية في التاريخ، بل هي مذبحة القرن ” وعلى مشهد ومسمع أحرار وشرفاء العالم .والسؤال الذي يطرح هنا نفسه : أين المواثيق الدولية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب ليل نهار، وأين الديمقراطيات العالمية، وهيئات الأمم والمنظمات الكبرى، أمام تلك المذابح والإبادة التي قام بها داعش وغيرهم في ملف الأقليات العراقية؟ كما ويتعرض المؤلف عدا عن الإبادة الداعشية هنا – والعهدة عليه – بصفته حقوقياً إلى الكثير من المظالم والانتهاكات الحقوقية . التشريعية والإنسانية التي يقدم عليها :” المُشرِّع العراقي “المتعنت إزاء ملف الأقليات هناك ويفضح من ثم التراكمات الناجمة عن القهر التشريعي فضلا عن القهر الديني السياسي ويبين كيف غدا ” تدويل القضية “خصوصا بعد الغزو الداعشي ، شأنا واقعا ويعرض للكثير من مواد الدستور والقانون العراقيين التي تجلي بوضوح كيف تجسد التضيَّق بل التجاوز على الأقليات وحقوقهم التي ضاعت بين بغداد المركز واربيل عاصمة إقليم كردستان وكيف صُنفت الجغرافيا التي تضم الايزيديين وسواهم من الأقليات العراقية بالمناطق المتنازع عليها “بين كردستان والعراق . وراق للمؤلف هنا ان يومئ إلى تمادي المكونات العراقية الكبرى من كرد وسنة وشيعة التي تؤلف الإرادة التشريعية في العراق وانتقاصها من حقوق الأقليات بل والسطو على وجودها هناك والمؤلف لا يشير إلى الإيزيدين فقط كفئة مظلومة، بل يتطرق ولو بالتعريض إلى واقع الأقليات بشكل عام فيلمح كذلك الى الكلدان، والآشوريين ،والسريان ، والشبك ، والصابئة ، والتركمان على المذهبين السني والشيعي في اطار هيمنة القوى العراقية الثلاث الكبرى وسعيها الى تقاسم العراق كعكة – ما بعد صدام – ، والتدخل من اجل التضييق عليهم بعد الحرب العراقية – الأمريكية. “الكتاب يجمع بين دفتيه مقالات ودراسات بحثية مقتضبة متفرقة هامة وشائقة كتبها المؤلف في فترات ممتدة، ومتعاقبة ويشكل توثيقا تاريخيا، وحقوقيا وقانونيا، وتوصيفا دقيقا للوضع الراهن لهذه الأقليات وما لاقته، ولا زالت تلاقيه من تعنت من جانب السلطة العراقية الحاكمة، وبطلة . هو الكتاب . تعنت من جانب السلطة العراقية الحاكمة، ويطلق . هو الكتاب .

صرخة بل نداء مدويا للإنسانية، وللمجتمع العالمي ليقوم بدوره وواجباته تجاه تلك القضايا الإنسانية العالقة ، والتي تخص الكثير من البشر هناك في العراق على اختلاف دياناتهم، ومذاهبهم، ومعتقداتهم كذلك تدور تفاصيل الكتاب حول الآثار الحقوقية . الوجودية . الإنسانية الكارثية المتمخضة عن عجرفة وتجبّر المكونات العراقية الطاغية.الأقوى من سنة وشيعة وكرد، على الأقليات بخاصة الإيزيديون فهذه القوى الثلاثة التي طفحت فجأة على المشهد العراقي وراحت تنطلق من ايدلوجياتها الضيقة وتتحكم مثقلة بتلك الانطلاقات في مصير الأمة العراقية العراق ما بعد صدام حسين، وتؤتمر كي تعزز وجودها بأوامر خارجية بل تعمل على الأرض كبيادق بيد مشغليها حتى حولت العراق العظيم مهد الحضارات بأدائهم غير المسئول إلى مسرح نهم تتصارع عليه قوى ودول عالمية كبرى وإقليمية كثيرا ما تتناقض مصالحها وخطابها وأولوياتها وأيدلوجياتها مما برر بل أوجب ان تتصارع البيادق لحفظ مصالح وأجندات اسيادها او ركضا وراء أنانياتها وحساباتها الخاصة الضيقة. ولعل اكثر تلك النتائج كارثية بالأقليات كانت حين انشغل العراقيون بحروب طائفية فكرية مذهبية . عقائدية . قوموية بينية طاحنة فظلم بل بطش كل بالآخر وانتهكت الحقوق و ديست المكونات العراقية الأقل عددا وقوة وتناسى المتصارعون العراقيون الكبار أو غضوا الطرف عن العراق ووحدته ، وسيادته، حتى تحول العراق بذلك الى دولة فاشلة ضعيفة ومهد الطريق امام القوى السلفية كي تنتشر واصبح العراق نظرا لضعفها كدولة ذات سيادة منتهكة مرتعا خصبا للغزو الفكري المتشدد وساحة للفرق الإسلاموية التي خُلق داعش من رحمها وانطلق من ثم نحو الأقليات لاسيما الايزيديون بقصد الإبادة والاستلاب والإلغاء ولعل هذا ما مكّن بحسب قناعتي المتواضعة أن تتجاسر الأمم الأخرى على عودة الاستعمار بدعاوى ورقة الأقليات والتي يمكن أن تمثل الرقم الأهم لدى اللاعب السياسي الدولي المنتظر بأساطيله على الأبواب، ويتحين الفرصة تلو الفرصة للتدخل فرض الحماية والسيطرة، وبالتالي عودة الاستعمار من جديد الكتاب بهذه الصورة إذن يطرح العديد من القضايا الإنسانية والسياسية والحقوقية التي تهم أحرار العالم، ويكشف عن ظلم أصاب ولازال يصيب تلك الأقليات، ويشيد بدور مصر التاريخي مصر النيل والحضارة التي ترفد الرافدين بعبق الأصالة، مشيرا وشاكرا للدور المصري لرئيسنا العظيم / عبد الفتاح السيسي تجاه الفتاة الإيزيدية المحررة من السبي الداعشي؛ نادية مراد بما يعكس أواصر المحبة المصرية، وانفتاحها على جميع القضايا والملفات التي تخدم المواطن العربي بصرف النظر عن معتقده ودينه ومذهبه، كما يكشف الدور الجميل للأزهر الشريف في الوقوف ضد داعش، لينتصر الحق على الظلم، وليحيا العالم في سلام وأمان.  

…………………………

 

👁️ عدد المشاهدات: 215

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag