Skip links

(أجندة صغيرة فـي جيبك) – الشاعر/ السعيد المصري .. مصر

بعد الخمسين..‏
أمتلئ بمشاعر..‏
وأحاسيس جديدة..‏
تخرجني دائماً..‏
عن وقاري، وجديتي؛
فالحياة تبدو الأن..‏
أكثر بهجة، واتساعًا، ورومانسية،
لابد أن أهرب..‏
من زنزانة حياتي الحالية،
التي دب فيها الفتور، والملل، ‏
وأصابها الجفاف، والتصحر‎.‎

بعد الخمسين..‏
تحتاج إلى نظارة طبية،
ترى بها الأشياء بوضوح أكثر
تحتاج إلى سماعة أذن،
تسمع صوتك الداخلي،
وضجيج الآخرين، وصراخهم
تحتاج إلى عكازًا خشبيّ..‏
كي تصل إلى عيادة التأمين الصحي،
فـي مقاعد كبار السن،
وذوي الاحتياجات الخاصة،
تحتاج «الحبة الزرقاء»..‏
حتى تستعيد رجولتك‎.‎
‎ ‎
بعد الخمسين..‏
تحتاج.. إلى أكثر من حذاء رياضي،
يخفف حدة خشونة الركبة،
وإنقاص وزنك،
كي يمكنك أن تلحق ـــ برشاقةٍ ـــ
بآخر قطار للضواحي
وتعديل نظامك الغذائي..‏
والتركيز على الأكل الصحى،
وتجاهل الروائح التي تنبعث،
من عربات الفول، والكبدة، والمخ..‏
والتي تطاردك دومًا،
حتى فـي أحلامك‎.‎

بعد الخمسين..‏
تحتاج إلى حقيبة جلدية‎..‎
تضع فيها أشياءك الضرورية..‏
مثل علاجك الشهري،
كمامتك الزرقاء،
شاحن تليفونك،
دفتر التأمين الصحي،
دفتر توفير البريد المصري،
مفاتيح غرفتك، وأدراج مكتبك،
وجواز سفرك المنتهي‎.‎
‎ ‎
بعد الخمسين..‏
تحتاج أن تبتسم كثيرًا، ‏
حتى لا يغزو وجهك،
لبلاب التجاعيد،
وأن تقلل من أسباب،
اكتئابك، وتوترك،
وارتفاع ضغط الدم،
مبتعدًا دومًا، عن كل ما يعكر مزاجك،
وسلامك النفسي‎.‎
‎ ‎
بعد الخمسين..‏
عندما تضعف ذاكرتك،
وتنسى كثيـرًا،
تحتاج أن تحمل أجندة صغيرة، ‏
فـي جيبك الداخلي،
تسجل فيها أسماء..‏
أولادك، وأحفادك، ‏
وعناوين، وتليفونات..‏
الأطباء، والزملاء، والأصدقاء،
تدون فيها نصوصك التي تلح دومًا،
فـي أوقات غريبة،
قبل أن تهرب وتختفي
وتدون أخطاءك الصغيرة..‏
وأحلامك الكبيرة‎ .‎
‎ ‎
بعـد أن..‏
بلغت الخمسين..‏
تحتاج أن تنام مبكرًا قبل التاسعة،
وأن تفكر فـي صبغ شعرك،
وتغيير مفصل الركبة،
وأن تشتري حزامًا قطنيًّا،
لشد فقرات الظهر،
وعطرًا مثيـرًا،
تصطاد به..‏
الفراشات الملونة.‏‎ ‎

بعد الخمسين..‏
يجب أن تتخلص..‏
من إدمانك القهوة، والسهر،
والحلويات الشرقية،
يجب أن تفكر بجدية،
فـي أداء مناسك الحج، أو العمرة،
كي تمحو ما اقترفته..‏
من أخطاء ونزوات، وكبائر،
وأن ترتاد المساجد، والقبور، والأضرحة، ‏
تقربًا من أهل البيت،
وأن تشتهي أحلامًا جديدة، ‏
وبعثًا مختلفًا،

بعد الخمسين..‏
لابد أن تلعب مع أحفادك، ‏
أكثر مما يجب،
كي تنقش فـي ذاكرتهم الطفولية،
جَدًّا طيبًا، وحنونًا،
ولا تنس أن تصالح..‏
من خاصمتهم دهورًا،
وتصفح عن كل من خذلوك،
بود شديد‎.‎
كي تحلق روحك..‏
نحو أفق أرحب، وجديد‎.‎
بعد الخمسين..‏
يجب أن تتخلص..‏
من نزوات جسدك الشهواني،
ولابد أن تفكر..‏
فـي أداء طقوس، ومناسك جديدة،
وأن تبتعد قليلاً
عن أشيائك المفضلة،
كي تراها بوضوح أكثر،
فلا تندهش بطفولية
ولابد أن تتعود..‏
أن تضع كاميـرا روحك،
فـي أماكن جديدة،
كي تعمل «‏Zoom In‏»،
على تفاصيل إنسانية..‏
أكثر دهشة مما تظن!‏

بعد الخمسين..‏
تحتاج..‏
أن تتعلم أشياء جديدة..‏
كقيادة «توكتوك»..‏
على طريق سريع
أو حشو أوراق العنب..‏
ولفها كطاهٍ محترف،
أو تكفين الموتى..‏
والوقوف على غُسل من تحبهم‎.‎
‎ ‎
بعد الخمسين..‏
يجب أن تغير وبانتظام..‏
مقاس نظارتك الطبية،
كي تختفي الشبورة الصباحية،
كما تحتاج إلى مزيد من الإصرار،
على أن تبتلع «الحبة الزرقاء» سرًا،
كي تثبت رجولتك،
كل ليلة «جمعة»‏‎.‎
بعـد أن..‏
تجاوزت الخمسين..‏
تقترب، شيئًا؛ فشيئًا.. من الستين.‏
تقترب، شيئًا؛ فشيئًا؛ فشيئًا..‏
من المـــوت.‏

……………………..

👁️ عدد المشاهدات: 45

Leave a comment

arArabic
Explore
Drag